الشرط
والركن :
يتفق
الشرط والركن من جهة ان كلا منهما يتوقف عليه وجود الشيء وجودا شرعيا ،
ويختلفان في ان الشرط أمر خارج عن حقيقته وما هيته ، أما الركن فهو جزء من حقيقتها ، ولا يتحقق الشيء وماهيته، كالركوع في الصلاة ، فهو ركن فيها إذ هو جزء من حقيقتها ، ولا يتحقق وجودها الشرعي بدونه ، والوضوء شرط لصحة الصلاة إذ لا وجود لها بدونه ، ولكنه أمر خارج عن حقيقتها .
ويختلفان في ان الشرط أمر خارج عن حقيقته وما هيته ، أما الركن فهو جزء من حقيقتها ، ولا يتحقق الشيء وماهيته، كالركوع في الصلاة ، فهو ركن فيها إذ هو جزء من حقيقتها ، ولا يتحقق وجودها الشرعي بدونه ، والوضوء شرط لصحة الصلاة إذ لا وجود لها بدونه ، ولكنه أمر خارج عن حقيقتها .
الشروط
والسبب :
يتفق
الشرط والسبب من جهة ان كلا منهما مرتبط بشيء أخر بحيث لا يوجد هذا الشيء أخر بحيث
لا يوجد هذا الشيء بدونه ، وليس أحداهما بجزء من الحقيقة .
ويختلفان
في ان وجود السبب يستلزم وجود المسبب إلا لمانع ،فالسبب يفضي إلي مسببه بجعل من
الشارع ، أما الشرط فلا يلزم من وجود المشروط فيه .
أقسام الشروط :
الشرط
من حيث تعلقه بالسبب أو المسبب ينقسم إلى شرط للسبب وشرط للمسبب .
فالأول
: هو الذي يكمل السبب ويقوي معنى السببية فيه ويجعل أثره مترتبا عليه ، كالعمد
العدوان شرط للقتل الذي هو سبب إيجاب القصاص من القاتل .
والشرط
للمسبب، مثل موت المورث حقيقة أو حكما ، وحياة الوارث وقت وفاة لموارث ، فهما
شرطان للإرث الذي سببه القرابة أو الزوجية أو العصوبه.
وينقسم
الشرط باعتبار مصدر اشتراطه الشارع ، أي : ان الشارع هو الذي اشترطه لتحقيق الشيء
، ومثاله : بلوغ الصغير سن الرشد لتسليم المال إليه والشرط ألجعلي: هو ما كان مصدر
اشتراطه إرادة المكلف ، كالشروط التي يشترطها الناس بعضهم على بعض في عقودهم
وتصرفاتهم ، أو التي يشترطها المكلف في تصرفه الذي يتم بإرادته المنفردة كالوقف ،
وهذا الشرط على نوعين :
النوع
الأول : ما يتوقف عليه وجود العقد ، بمعنى : أن المكلف يجعل تحقق العقد معلقا على
تحقق الشرط الذي اشترطه ، ولهذا فهو من شروط السبب ، مثل : تعليق الكفالة على عجز
المدين عن الوفاء .
ويسمى
هذا النوع من الشروط : بالشرط المعلق ، والعقد المشتمل عليه : بالعقد المعلق وليس
كل العقود والتصرفات تقبل التعليق :
فمنها
ما لا يصح تعليقه على أي شرط : وهي عقود التمليكات التي تفيد ملك العين أو المنفعة
بعوض أو بغير عوض ، ويلحق بها عقد النكاح والخلع .
ومنها
: أي : العقود والتصرفات – ما يقبل التعليق على الشرط الملائم ، مثل : كفاله الثمن
على شرط استحقاق المبيع .
ومن
العقود ما يصح تعليقه على أي شرط ، حتى ولو كان غير ملائم كالوكالة والوصية .
النوع
الثاني : الشرط المقترن بالعقد ، مثل : النكاح بشرط ان لا يخرج الزوج زوجته من بلدتها ،أو بشرط ان يكون لها حق الطلاق .
المـــــــــــانــع :
المانع
: هو مارتب الشارع على وجوده عدم وجود الحكم او عدم السبب ، أي : بطلانه ، وهو
نوعان : مانع للحكم ، ومانع للسبب .
الأول
: مانع الحكم : وهو ما يترتب على وجوده عدم وجود الحكم ،بالرغم من وجود سببه
المستوفي لشروطه .
وإنما
كان المانع حائلا دون وجود الحكم ، لأن فيه معنى لا يتفق وحكمه الحكم ، أي:لا يحقق
الغرض المقصود من الحكم ، كالأبوة المانعة من القصاص ، فالأب أي: لايقتل قصاصا إذا
قتل ابنه عمدا وعدوانا ، وإن كانت الدية تلزمه ، لأن حكم القصاص : الرادع والزجر ،
وما في الأبوة من حنان وعطف وشفقه على الابن يكفي لزجره وردعه .
الثاني
: مانع السبب : وهو الذي يؤثر في السبب بحيث يبطل عمله ، ويحول دون اقتضائه للمسبب
، لأن في المانع معنى يعارض حكمه السبب، ومثاله : الدين المنقض للنصاب في باب
الزكاة ، فالنصاب سبب لوجوب الزكاة ، لأن ملكية النصاب مظنة الغني ، والغني قادر
على عون المحتاجين ، ولكن الدين يعارض هذا المعنى الملحوظ في سبب الزكاة ، وهو
الغني – و يهدمه لأن ما يقابل الدين من مال مالك النصاب ، ليس ملكه على الحقيقة ،
فلا تكون ملكيه النصاب مظنة الغني ، فلا يكون
في النصاب المعنى الذي من اجل صار سببا للزكاة ، وبالتالي : لا يكون سببا
مفضيا إلى مسببه، وهو وجوب الزكاة .
الصحة والبطلان :
معنى
الصحة والبطلان :
أفعال
المكلفين إذا وقعت مستوفيه أركانها وشروطها ، حكم الشارع بصحتها ، وإذا لم تقع على
هذا الوجه ، حكم الشارع بعدم صحتها ، أي : ببطلانها ومعنى صحتها، أنها تترتب عليها
أثارها الشرعية ، فإذا كانت من العبادات برئت ذمة المكلف منها ، كالصلاة المستوفية
لأركانها وشروطها .
وإذا
كانت أي : أفعال المكلف الصحيحة ، من العادات ، أي : المعاملات ، كعقود البيع ، والإجازة
، والنكاح ، ترتب على عقد الآثار المقررة له شرعا .
ومعنى
بطلانها : عدم ترتب أثارها الشرعية عليها ، لأن الآثار الشرعية تترتب على ما
استوفي الأركان التي طلبها الشارع ، فإن كانت هذه الأفعال من العبادات لم تبرأ ذمة
المكلف منها ، وإن كانت من العقود والتصرفات ، لم يترتب عليها ما يترتب على الصحيحة
من أثار شرعيه .
الصحة
والبطلان من أقسام الحكم الوضعي :
ذهب
بعض الأصوليين إلى أن وصف الفعل بالصحة والبطلان من قبيل الحكم التكليفي , محتجين
بأن الصحة ترجع إلى إباحة الشارع الانتفاق بالشيء والبطلان يرجع إلى حرمة الانتفاع
بالشيء .
وذهب
آخرون إلى أن الصحة والبطلان من أحكام الوضع ، أن الشارع حكم بتعلق الصحة بالفعل
المستوفي لأركانه وشروطه ، وحكم بتعلق البطلان بالفعل الذي لم يستوفي أركانه
وشروطه .
والقول
الثاني : هو أرجح لأنه ليس في الصحة والبطلان فعل ولا ترك ولا تخيير ، وإنما في
وصف الشارع للفعل المستوفي لأركانه وشروطه بالصحة وما يتبع ذلك من ترتب الاثارعليه
، أو وصف الشارع للفعل الذي لم يستوف أركانه وشروطه بالبطلان وما يتبع ذلك من عدم
ترتب الآثار عليه ، وهذه المعاني ، إذ هي من معاني السبب ، والسبب في أقسام الحكم
الوضعي .
البطلان
والفساد :
البطلان
والفساد بمعنى واحد عند الجمهور ، فكل عباده أو عقد أو تصرف فقد بعض أركانه أو بعض
شروطه ، فهو باطل أو فاسد ولا يترتب عليه أثره الشرعي .
فبيع
المجنون باطل ،لخلل في ركنه وهو العاقد .
وكما
يسمى بيع المجنون : بالبيع الباطل ، يسمى أيضا : بالفاسد .
أما
الحنفية فعندما تفصيل على النحو الأتي :
أ- العبادات :
إذا فقدت ركنا من أركانها : كالصلاة بلا ركوع ، أو فقدت بعض شروطها كالصلاة بلا
وضوء، فهي في الحالتين تسمى : باطله أو فاسدة
، فالباطل والفاسد عندهم بمعنى واحد في العبادات .
ب- المعاملات:
وهي العقود والتصرفات ، إذا فقدت ركنا من أركانها سميت باطله ولم يترتب عليها أي
اثر شرعي ، كما في بيع المجنون أو بيع الميتة أو نكاح المحارم ، وإذا استوفت أركانها
ولكن فقدت بعض شروطها . أي : بعض أوصافها الخارجية .
فالباطل
عند الحنفية: ما كان الخلل فيه راجعا إلى أوصاف العقد لا إلى أركانه ، فأركانه سليمة
ولكن الخلل طرأ على بعض أوصافه كما في مجهوليه ثمن البيع .
ومراد
الخلاف بين الجمهور والحنفية إلى اختلافهم في مسألتين :
الأولى
: هل نهى الشارع عن عقد معناه عدم الاعتداد به في أحكام الدنيا ، مع الإثم في أحكام
الاخره لمن يقدم عليه ، أم انه يعتد به بعض الاعتداد في أحكام الدنيا مع الإثم في
الاخره .
الثانيه
: هل النهي عن العقد لخلل في أصله ، كالنهي عن العقد لخلل في أوصافه دون أركانه؟
بمعنى : ان النهي عنه في الحالتين سواء ، ولا يترتب على كل منهما أي اثر؟ أم ان
بينهما فرقا ؟
أما
الجمهور ، فيقولون عن المسألة الأولى : إن نهي الشارع عن عقد معناه عدم الاعتداء
به إذا وقع ، فلا تترتب عليه أثاره الشرعية ، ويلحق صاحبه الإثم في الاخره .
ويقولون
عن المسألة الثانيه : إن النهي ان كان راجعا إلى أمر يتصل بأركان العقد ، كان
معناه بطلان العقد وعدم اعتباره إذا وقع ،كبيع الميتة وبيع المجنون ، وإذا كان
النهي لأمر يتصل بأوصاف العقد ، كان العقد فاسدا لا باطلا وترتبت عليه بعض الآثار
.
الحـــــــــاكـــم :
الحاكم
، أي : الذي يصدر عنه الحكم ، هو الله وحده فلا حكم إلا ما حكم به ، ولا شرع إلا
ما شرعه ، وعلى هذا دل القران واجمع المسلمون ، ففي القران قوله تعالى: ( إن الحكم إلا لله ) .
وعلى
هذا الأساس كان الحكم بغير ما انزل الله كفرا ، قال تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله
فأولئك هم الكافرون ) .
وإذا
كان الإجماع منعقدا على ان الحاكم هو الله ، إلا أن العلماء اختلفوا في مسألتين ،
وهما :
الأولى
: هل أحكام الله لا تعرف إلا بواسطة رسله ، أو يمكن العقل ان يستقل بإدراكها وعلى
أي أساس يكون ذلك ؟
الثانيه
وإذا أمكن للعقل ان يدرك حكم الله دون وساطة الرسول ، فهل يكون هذا الإدراك مناط
التكليف وما يتبعه من ثواب وعقاب في الأجل ، ومدح وذم في العاجل؟
القول
الأول : وهو مذهب المعتزلة ، وفريق من الجعفرية .
إن
في الأفعال حسنا ذاتيا، وقبح ذاتيا ، وان العقل
يستقل بإدراك حسن أو قبح معظم الأفعال بالنظر إلى صفات الفعل وما يترتب
عليه من نفع أو ضرر، أي : مصلحه أو مفسده .
فأحكام
الشرع في نظر أصحاب هذا القول : لا تأتي إلا موافقة لما أدركه العقل من حسن
الأفعال أو قبحها ، فما أدرك العقل حسنه جاء الشرع بطلب فعله ولايمكن ان يطلب تركه
، وما أدرك العقل قبحه جاء الشرع بطلب تركه ولا يمكن ان يطلب فعله ، وما لم يدرك
العقل حسنه ،أو قبحه كما في بعض العبادات وكيفياتها فإن أمر الشارع أو نهيه فيها
يكشفان عن حسن أو قبح هذا النوع من الأفعال .
وبنو
على ذلك :ان الإنسان مكلف قبل بعثه الرسل أو قبل بلوغ الدعوة إليه ، إذ عليه يفعل
ما أدرك العقل حسنه وان يترك ما أدرك العقل قبحه ، لأن هذا هو الحكم الله ، ومع
التكليف المسؤولية والحساب وما يتبع ذلك من ثواب وعقاب .
القول
الثاني : قول الأشعري ، وهو جمهور الأصوليين .
وخلاصته
: ان العقل لا يستقبل بإدراك حكم الله ،
بل لا بد من وساطة الرسول وتبليغه ، فليس في الأفعال حسن ذاتي يوجب على الله ان
يأمر به ، كما ليس في الأفعال قبح ذاتي
يوجب على الله ان ينهي عنه ، فإرادة الله مطلقه لا يقيدها شيء، فالحسن ما جاء
الشارع ونهيه حسن ولا قبح ، والفعل إنما يصير حسنا لأمر الشارع به لذات الفعل ،
ويصير قبحا لنهي الشارع عنه لا لذات الفعل ، ويصير قبيحا لنهي الشارع عنه لا لذات
الفعل ، الأفعال تستمد حسنها وقبحها من أمر الشارع ونهيه لا من حسن أو قبح في ذواتها
.
وبنو
على ذلك : ان حكم الله في أفعال العباد قبل بعثة الرسل ، فلما لم يأت رسول يبلغ أحكام
الله للعباد لا يثبت لأفعالهم حكم ، فلا يجب عليهم شيء ولا يحرم عليهم فعل ، وحيث
لا حكم فلا تكليف ، وحيث لا تكليف فلا حساب ولا مدح ولا ثواب ولا ذم ولا عقاب .
القول
الثالث : وهو قول أبي منصور محمد بن محمد الماتريدي ، وهو ما ذهب إليه محققو الحنفية وبعض الأصوليين ، وهو قول
فريق من الجعفرية وغيرهم .
وخلاصة
هذا القول : ان للأفعال حسنا وقبحا يستطيع العقل إدراكها في معظم الأفعال بناء على
مافي الفعل من صفات ، وما يترتب عليه من مصالح ، ومفاسد ، ولكن لا يلزم من كون الفعل
حسنا حسب إدراك العقل ان يأمر به الشرع ، ولا يلزم من كون الفعل حسنا حسب إدراك
العقل أن يأمر به الشرع ، ولا يلزم من كون الفعل قبيحا ان ينهي عنه الشرع ، لأن العقول
مهما نضجت فهي قاصرة ، ومهما اتسعت فيه ناقصة.
وبنوا
على ذلك : ان حكم الله لا يدرك بدون وساطة رسول وتبليغه ، ومن ثم فلا حكم لله في
أفعال العباد قبل بعثة الرسل أو قبل بلوغ الدعوة ، وحيث لا حكم فلا تكليف ، وحيث
لا تكليف فلا ثواب ولا عقاب . وهو القول الراجح .
ثمرة
الخلاف :
ويترتب
على الخلاف مسألة التحسين والتقبيح ما يأتي :
أولا
: من لم تبلغه دعوة الإسلام أو دعوة الرسل على وجه العموم ، فعند المعتزلة ، يؤاخذ
بفعله ، ويحاسب على أعماله ، لأن المطلوب منه : فعل ما أدرك العقل حسنه ، وترك ما أدراك
العقل قبحه وهذا هو حكم الله .
وعند
الأشعري والماتريديه ومن وافقهم : لا حساب ولا ثواب ولا عقاب على من لم تبلغه الدعوة
.
ثانيا
: بعد ورود شريعة الإسلام ، لا خلاف بين العلماء في ان حكم الله يدرك بواسطة ما
جاء عن الله في كتابه ، أو ما جاء في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
وكلاهما
قام النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغه .
المــحــكــوم فـيـه :
المحكوم
فيه : هو ما يتعلق
به خطاب الشارع ، وهو لا يكون إلا فعلا إذا كان خطاب الشارع حكما تكليفيا ، أما في
الحكم الوضعي : فقد يكون فعلا للمكلف كما في العقود والجرائم ، وقد لا يكون فعلا
له ولكن يرجع إلى فعله : كشهود شهر رمضان الذي جعله الشارع سببا لوجوب الصيام ،
والصيام فعل المكلف : هو إيتاء الزكاة فجعلها واجبا .
فقوله
تعالى : ( واتوا
الزكاة ) الإيجاب
المستفاد من هذا الحكم تعلق بفعل المكلف هو إيتاء الزكاة فجعله واجبا .
وقوله
تعالى : ( ولا
تقربوا الزنى ) ،
التحريم المستفاد من هذا الحكم تعلق بفعل للمكلف : وهو الزنى ، فجعله محرما .
شروط صحة التكاليف بالفعل أو شروط المحكوم فيه
:
يشترط
في الفعل حتى يصح التكليف به جمله شروط هي :
أولا
: ان يكون معلوما للمكلف علما تاما حتى يتصور قصده إليه وقيامه به كما طلب منه فلا
يصح التكليف بالمجهول .
والمراد
بالعلم ، علم المكلف فعلا أو إمكان علمه ، بأن يكون قادرا بنفسه أو بالواسطة على
معرفة ما كلف به . والقرينة على إمكان علمه ،وجوده في دار الإسلام .
وقاعدة
: لا يصح الدفع بالجهل بالأحكام في دار الإسلام . خلاف ماهو المقرر بالنسبة إلى
دار الحرب ( إي دار غير الإسلام ) .
والقاعدة
في القوانين الوضعية كالقاعدة في الشريعة الإسلامية ‘ فالقانون يعتبر معلوما لدى
المكلفين إذا مانشر بالطرق القانونية ، كما لو نشر في الجريدة الرسمية .
ثانيا
: أن يكون الفعل المكلف به مقدورا، أي : م الأفعال التي يمكن للمكلف فعلها أو
تركها ، ويترتب على هذه الشروط ما يأتي :
ولا
تكليف بالمستحيل ، سواء أكان المستحيل لذاته : كالجمع بين النقيضين ، ام كان
مستحيلا لغيره ، هو ما لم تجر العادة بو قوعه ، وإن كان العقل يجوز ذلك ، كالطيران
بلا آلة .
لا
تكليف بما لا يدخل تحت إرادة الإنسان .
ومن
هذه القبيل : التكليف بالأمور الوجدانية والقلبية التي تستولي على النفس ولا يملك
الإنسان دفعها ، ولهذا جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في
قسمه بين أزواجه : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا املك)
يعني في الميل القلبي لبعض أزواجه أكثر من البعض الأخر ؟
وكذلك
الحديث الشريف : ( لا تغضب ) .
إن
الميول القلبية ، وإن كانت لا تدخل تحت التكليف لإحدى زوجتيه أكثر من الأخرى ،
وكحب الأب بعض أولاده أكثر من الآخرين ، إلا انه عليه ان يعدل بين أولاده ، وبين
زوجتيه .
أما
الميول القلبية التي هي من الأيمان أو من لوازمه كحب الله ورسوله ، فهذه تكون
واجبة على المكلف، ومطلوبا منه تحصيلها بتحصيل أسبابها ، ولا يعذر في عدم تحصيلها أو
في وجود ضدها كبغض الله ورسوله .
إن
الفعل يشترط فيه ان يكون مقدورا عليه ، ولكن هل يشترك فيه أن لا يكون شاقا . أي
فعل لا يخلو من مشقه ، فا لمشقه من لوازم التكليف ، أما المشقة غير الاعتيادية
التي لا تطيقها النفس ، فإن الحكم يختلف كما يلي :
أولا
: مشقه غير عاديه مثل : الصيام في حالة السفر والمرض ، ومثل الإكراه على كلمة
الكفر ، ومثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا ترتب على القائم به هلاك نفسه ،
ففي هذه الأحوال دفع الشارع الحكيم بالرخص التي شرعها فأباح للمكلف ترك الأفعال
الواجبة ، وإتيان الأفعال المحظورة للمشقات .
ولكن
الشارع مع هذا جعل تحمل بعض المشتقات غير الاعتيادية في بعض الأحوال من قبيل المندوب
، كما ان المكره على الكفر ، فله ان يقول كلمة الكفر رخصة . والمندوب : صبره على
الأذى وامتناعه عن مقالة الكفر ، ولو أدى ذلك إلى هلاكه .
ثانيا
: مشقه غير عاديه ولكن لابد تحملها لضرورة القيام بالفروض الكفائيه : كالجهاد فهو
فرض على الكفاية . وهذا الضرب التكليف ، يكون في الفروض الكفائيه لا في الفروض العينية
.
ثالثا
: مشقه غير عاديه لا تأتي من ذات الفعل وطبيعته ، وإنما بسبب المكلف نفسه بالتزامه
الأفعال الشاقة التي لم يأت بها الشرع .
وهذا
النوع من الأفعال لا يجوز فقد روى : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي رجلا قائما
في الشمس ، فسأل عنه ، فقال، فقالوا : يا رسول الله إنه نذر ان يقوم في الشمس ولا
يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ولا يصوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مروه فلتكلم
وليقعد وليتم صومه .
والحكمة
في هذا كله : أن تعذيب الجسد وتحميله المشاق بلا غرض مشروع وليس للشارع مصلحه في
إيذاء الجسد وتحميله المشاق بلا غرض مشروع وليس للشارع مصلحه من إذاء الجسد ، بل المصلحة
في حفظه والعناية به ، حتى يستطيع المكلف القيام بصالح الأعمال .
المحكوم فيه من ناحية
الجهل التي يضاف إليها :
أفعال
المكلفين التي تعلقت بها الأحكام الشرعية : أن يكون المقصود به مصلحة عامه أو خاصة
، فإن كان المقصود بها مصلحة المجتمع عامه فالفعل هو حق الله تعالى ، وان كان
المقصود بها مصلحه خاصة فالفعل حق العبد ، وقد يجتمع في الفعل حق الله وحق العبد ،
ويكون حق الله هو الغالب أو حق العبد هو الغالب . وهذي الأنواع هي :
1- حـــق الله
: هو حق المجتمع ،ولهذا يعرفونه : بأن ما تعلق به النفع العام من غير اختصاص بأحد
، وهذا الحق لا يجوز إسقاطه ، فهو كالنظام العام عند القانونيين وقد وجد بالاستقراء
: أن حقوق الجهل الخالصة هي ما يأتي :
أولا:
العبادات المحضة : كالإيمان والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد .
ثانيا:
العبادات التي فيها معنى المؤونة ، مثل صدقه الفطر ، فهي عبادة ،لأنها تقرب إلى
الله بالتصدق على الفقير ، وكونها فيها معنى المؤونة ، بأنها وجبت على المكلف بسبب
غيره .
ثالثا
: الضرائب على الأرض العشرية ، وهذه سماها الأصوليين : مؤونه فيها معنى العبادة ،
أما أنها مؤونة : فلأنها ضربية الأرض ، وبهذه الضربيه تبقى الأرض بيد أصحابها غير
معتدي عليها ، وأما أن فيها معنى العبادة
: فلأن العشر المأخوذ هو زكاة الزرع الخارج من الأرض ويصرف في مصارف الزكاة .
رابعا
: الخراج : أي : الضرائب على الأرض الخراجية ، وهي الأرض التي تركبيد أصحابها غير
المسلمين بعد فتح المسلمين لها واستيلائهم عليها، فتفرض عليها ضربية معينة .
خامسا:
عقوبات كاملة ليس فيها معنى أخر غير العقوبة ، وهي الحدود ،أي : العقوبات المقدرة
التي شرعت للمصلحة العامة ، واعتبرت لذلك من حق الله ، مثل : حد الزنى ، وحد الشرب
، وحد السرقة .
سادسا
: عقوبات قاصرة : وهي حرمان القاتل من الإرث ، وإنما كانت قاصرة لأن ليس في إذا
بدني ، أو تقييد لحرية الجاني .
سابعا
: عقوبات فيها العبادة ،وهي الكفارات ، مثل كفارة الحنث في اليمين ، وكفارة الإفطار
عمدا في رمضان .
فهذه
عقوبات لأنها جزاء على معصية ، وفيها معنى العبادة لأنها تؤدي بما هو عبادة.
ثامنا
: حق قائم بنفسه ، أي : لم يتعلق بذمة مكلف ليؤديه طاعة الله ، وإنما وجب هذا الحق
بذاته وابتداء لله تعالى / وهو خمس الغنائم ، وما يستخرج من معادن وكنوز الأرض .
2- حق العبد :
وأم الحق الخالص للعبد :فهو ما كان المقصود به مصلحة خاصة الفرد ، كضمان المتلفات
، استفياء الديون والدية ، ونحو ذلك ، وهذا النوع من الحق يكون الخيار في استيفاء
إلى المكلف نفسه ، فإن شاء أسقطه إن شاء استوفاه .
ما اجتمع فيه الحقان ،
وحق الله فيه غالب :
ومثاله
: حد القذف ، فالقذف جريمة تمس الأعراض ، وتشيع الفاحشة في المجتمع ، وفي ترتيب العقوبة على هذه الجريمة مصلحة عامة لما
فيها من ردع المجرمين وصيانة الأعراض وأخلا المجتمع من الفساد ،فكانت هذه العقوبة
من حق الله ومن جهة أخرى : فإن هذه العقوبة مصلحة خاصة للمقذوف ، إذ فيها إظهار
لشرفه وعفته ودفع العار عنه ، فكان في هذه العقوبة حق العبد من هذه الجهة ، إلا أن
حق الله هو الغالب ، ولهذا لا يجوز للمقذوف إسقاطه الحد ( أي : العقوبة ) عن القذف
، لأن حق الله لا يسقط بإسقاط العبد .
ما اجتمع فيه الحقان ،
وحق العبد فيه غالب :
ومثاله
: القصاص من القاتل العمد ، فإن فيه تأمين حياة الناس وحفظ الأمن ، وكله من
المصلحة العامة فيكون بهذا الاعتبار حقا لله تعالى .
ومن
جهة أخرى يحقق القصاص مصلحة خاصة للفرد :
هي شفاء صدور أولياء القتيل وإزالة غضبهم وحقدهم على القاتل ، فيكون بهذا الاعتبار
حقا للعبد ، ولما كان مساس الجريمة بالمجني عليه وبأوليائه أقوى وأظهر من مساسها
بالمجتمع ، جعل حق العبد هو الغالب .
ولما
كان في القصاص حق الله ، فإن القاتل إذا نجا من الموت لعفو ولي القتيل ، فإن
الدولة لها أن توقع عليه عقوبة تعزيرية .
المـــحـكـوم عليه :
المحكوم
عليه : هو الشخص الذي تعلق خطاب الشارع بفعله ، ويسميه علماء الأصول : بالمكلف .
شروط
صحة التكليف :
يشترك في
الإنسان حتى يصبح تكليفه شرعا : أن يكون قادرا على فهم خطاب التكليف الموجه إليه .
ودليل ذلك
، قوله عليه الصلاة والسلام : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن
الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ) وفي رواية ( حتى يعقل) .
شرط التكليف
، وهو البلوغ عاقلا ، فالمكلف إذن هو البالغ العاقل .
اعتراض
على شرط التكليف :
وقد
يعترض على هذا الشرط بما يأتي :
الاعتراض
الأول : أن تكليف مالا يفهم الخطاب قد قال تعالى : ( يا أيها الذين امنوا لاتقربوا الصلاة
وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) ، فالسكارى في حال سكرهم مكلفون بالكف عن الصلاة ، وهم لا
يفهمون الخطاب ، فكيف يقال : إن شرط التكليف القدرة على الفهم ؟
والجواب
: إن الخطاب في هذه الآية ليس موجها إلى السكارى حال سكرهم ، وإنما هو موجه إلى
المسلمين حال صحوهم بأن لا يشربوا الخمر إذا قرب وقت الصلاة .
الاعتراض
الثاني : أن الشريعة الإسلامية عامه لجميع البشر ، بدليل قوله تعالى : (قل يا أيها الناس إني رسول الله
إليكم جميعا ) وفي
الناس غير العربي الذي لا يفهم اللغة العربية ، فكيف يوجه الخطاب باللسان العرب
إلى من لا يفهمه ويكون مكلفا
والجواب
: إن القدرة على فهم الخطاب شرط لا بد منه لصحة التكليف ، فالذين لا يفهمون اللسان
العربي ، ولا يمكن تكليفهم شرعا ، إلا إذا كانوا قادرين على فهم خطاب الشارع .
الاعتراض
الثالث :
في
القران الكريم ما لا يمكن فهمه، وهو الحروف المقطعة في أوائل بعض السور ، فكيف
يقال : ليس في القران والسنة ما يمكن فهمه ؟
والجواب
: إن هذه الحروف ليست من خطابات التكليف ، ومن ثم فلا يتوقف أمر التكليف عليها ،
ومن جهة أخرى :فإن لهذه الحروف معنى واضحا ، هو ما يدل عليه كل حرف على حده .
الشرط
والركن :
يتفق
الشرط والركن من جهة ان كلا منهما يتوقف عليه وجود الشيء وجودا شرعيا ،
ويختلفان في ان الشرط أمر خارج عن حقيقته وما هيته ، أما الركن فهو جزء من حقيقتها ، ولا يتحقق الشيء وماهيته، كالركوع في الصلاة ، فهو ركن فيها إذ هو جزء من حقيقتها ، ولا يتحقق وجودها الشرعي بدونه ، والوضوء شرط لصحة الصلاة إذ لا وجود لها بدونه ، ولكنه أمر خارج عن حقيقتها .
ويختلفان في ان الشرط أمر خارج عن حقيقته وما هيته ، أما الركن فهو جزء من حقيقتها ، ولا يتحقق الشيء وماهيته، كالركوع في الصلاة ، فهو ركن فيها إذ هو جزء من حقيقتها ، ولا يتحقق وجودها الشرعي بدونه ، والوضوء شرط لصحة الصلاة إذ لا وجود لها بدونه ، ولكنه أمر خارج عن حقيقتها .
الشروط
والسبب :
يتفق
الشرط والسبب من جهة ان كلا منهما مرتبط بشيء أخر بحيث لا يوجد هذا الشيء أخر بحيث
لا يوجد هذا الشيء بدونه ، وليس أحداهما بجزء من الحقيقة .
ويختلفان
في ان وجود السبب يستلزم وجود المسبب إلا لمانع ،فالسبب يفضي إلي مسببه بجعل من
الشارع ، أما الشرط فلا يلزم من وجود المشروط فيه .
أقسام الشروط :
الشرط
من حيث تعلقه بالسبب أو المسبب ينقسم إلى شرط للسبب وشرط للمسبب .
فالأول
: هو الذي يكمل السبب ويقوي معنى السببية فيه ويجعل أثره مترتبا عليه ، كالعمد
العدوان شرط للقتل الذي هو سبب إيجاب القصاص من القاتل .
والشرط
للمسبب، مثل موت المورث حقيقة أو حكما ، وحياة الوارث وقت وفاة لموارث ، فهما
شرطان للإرث الذي سببه القرابة أو الزوجية أو العصوبه.
وينقسم
الشرط باعتبار مصدر اشتراطه الشارع ، أي : ان الشارع هو الذي اشترطه لتحقيق الشيء
، ومثاله : بلوغ الصغير سن الرشد لتسليم المال إليه والشرط ألجعلي: هو ما كان مصدر
اشتراطه إرادة المكلف ، كالشروط التي يشترطها الناس بعضهم على بعض في عقودهم
وتصرفاتهم ، أو التي يشترطها المكلف في تصرفه الذي يتم بإرادته المنفردة كالوقف ،
وهذا الشرط على نوعين :
النوع
الأول : ما يتوقف عليه وجود العقد ، بمعنى : أن المكلف يجعل تحقق العقد معلقا على
تحقق الشرط الذي اشترطه ، ولهذا فهو من شروط السبب ، مثل : تعليق الكفالة على عجز
المدين عن الوفاء .
ويسمى
هذا النوع من الشروط : بالشرط المعلق ، والعقد المشتمل عليه : بالعقد المعلق وليس
كل العقود والتصرفات تقبل التعليق :
فمنها
ما لا يصح تعليقه على أي شرط : وهي عقود التمليكات التي تفيد ملك العين أو المنفعة
بعوض أو بغير عوض ، ويلحق بها عقد النكاح والخلع .
ومنها
: أي : العقود والتصرفات – ما يقبل التعليق على الشرط الملائم ، مثل : كفاله الثمن
على شرط استحقاق المبيع .
ومن
العقود ما يصح تعليقه على أي شرط ، حتى ولو كان غير ملائم كالوكالة والوصية .
النوع
الثاني : الشرط المقترن بالعقد ، مثل : النكاح بشرط ان لا يخرج الزوج زوجته من بلدتها ،أو بشرط ان يكون لها حق الطلاق .
المـــــــــــانــع :
المانع
: هو مارتب الشارع على وجوده عدم وجود الحكم او عدم السبب ، أي : بطلانه ، وهو
نوعان : مانع للحكم ، ومانع للسبب .
الأول
: مانع الحكم : وهو ما يترتب على وجوده عدم وجود الحكم ،بالرغم من وجود سببه
المستوفي لشروطه .
وإنما
كان المانع حائلا دون وجود الحكم ، لأن فيه معنى لا يتفق وحكمه الحكم ، أي:لا يحقق
الغرض المقصود من الحكم ، كالأبوة المانعة من القصاص ، فالأب أي: لايقتل قصاصا إذا
قتل ابنه عمدا وعدوانا ، وإن كانت الدية تلزمه ، لأن حكم القصاص : الرادع والزجر ،
وما في الأبوة من حنان وعطف وشفقه على الابن يكفي لزجره وردعه .
الثاني
: مانع السبب : وهو الذي يؤثر في السبب بحيث يبطل عمله ، ويحول دون اقتضائه للمسبب
، لأن في المانع معنى يعارض حكمه السبب، ومثاله : الدين المنقض للنصاب في باب
الزكاة ، فالنصاب سبب لوجوب الزكاة ، لأن ملكية النصاب مظنة الغني ، والغني قادر
على عون المحتاجين ، ولكن الدين يعارض هذا المعنى الملحوظ في سبب الزكاة ، وهو
الغني – و يهدمه لأن ما يقابل الدين من مال مالك النصاب ، ليس ملكه على الحقيقة ،
فلا تكون ملكيه النصاب مظنة الغني ، فلا يكون
في النصاب المعنى الذي من اجل صار سببا للزكاة ، وبالتالي : لا يكون سببا
مفضيا إلى مسببه، وهو وجوب الزكاة .
الصحة والبطلان :
معنى
الصحة والبطلان :
أفعال
المكلفين إذا وقعت مستوفيه أركانها وشروطها ، حكم الشارع بصحتها ، وإذا لم تقع على
هذا الوجه ، حكم الشارع بعدم صحتها ، أي : ببطلانها ومعنى صحتها، أنها تترتب عليها
أثارها الشرعية ، فإذا كانت من العبادات برئت ذمة المكلف منها ، كالصلاة المستوفية
لأركانها وشروطها .
وإذا
كانت أي : أفعال المكلف الصحيحة ، من العادات ، أي : المعاملات ، كعقود البيع ، والإجازة
، والنكاح ، ترتب على عقد الآثار المقررة له شرعا .
ومعنى
بطلانها : عدم ترتب أثارها الشرعية عليها ، لأن الآثار الشرعية تترتب على ما
استوفي الأركان التي طلبها الشارع ، فإن كانت هذه الأفعال من العبادات لم تبرأ ذمة
المكلف منها ، وإن كانت من العقود والتصرفات ، لم يترتب عليها ما يترتب على الصحيحة
من أثار شرعيه .
الصحة
والبطلان من أقسام الحكم الوضعي :
ذهب
بعض الأصوليين إلى أن وصف الفعل بالصحة والبطلان من قبيل الحكم التكليفي , محتجين
بأن الصحة ترجع إلى إباحة الشارع الانتفاق بالشيء والبطلان يرجع إلى حرمة الانتفاع
بالشيء .
وذهب
آخرون إلى أن الصحة والبطلان من أحكام الوضع ، أن الشارع حكم بتعلق الصحة بالفعل
المستوفي لأركانه وشروطه ، وحكم بتعلق البطلان بالفعل الذي لم يستوفي أركانه
وشروطه .
والقول
الثاني : هو أرجح لأنه ليس في الصحة والبطلان فعل ولا ترك ولا تخيير ، وإنما في
وصف الشارع للفعل المستوفي لأركانه وشروطه بالصحة وما يتبع ذلك من ترتب الاثارعليه
، أو وصف الشارع للفعل الذي لم يستوف أركانه وشروطه بالبطلان وما يتبع ذلك من عدم
ترتب الآثار عليه ، وهذه المعاني ، إذ هي من معاني السبب ، والسبب في أقسام الحكم
الوضعي .
البطلان
والفساد :
البطلان
والفساد بمعنى واحد عند الجمهور ، فكل عباده أو عقد أو تصرف فقد بعض أركانه أو بعض
شروطه ، فهو باطل أو فاسد ولا يترتب عليه أثره الشرعي .
فبيع
المجنون باطل ،لخلل في ركنه وهو العاقد .
وكما
يسمى بيع المجنون : بالبيع الباطل ، يسمى أيضا : بالفاسد .
أما
الحنفية فعندما تفصيل على النحو الأتي :
أ- العبادات :
إذا فقدت ركنا من أركانها : كالصلاة بلا ركوع ، أو فقدت بعض شروطها كالصلاة بلا
وضوء، فهي في الحالتين تسمى : باطله أو فاسدة
، فالباطل والفاسد عندهم بمعنى واحد في العبادات .
ب- المعاملات:
وهي العقود والتصرفات ، إذا فقدت ركنا من أركانها سميت باطله ولم يترتب عليها أي
اثر شرعي ، كما في بيع المجنون أو بيع الميتة أو نكاح المحارم ، وإذا استوفت أركانها
ولكن فقدت بعض شروطها . أي : بعض أوصافها الخارجية .
فالباطل
عند الحنفية: ما كان الخلل فيه راجعا إلى أوصاف العقد لا إلى أركانه ، فأركانه سليمة
ولكن الخلل طرأ على بعض أوصافه كما في مجهوليه ثمن البيع .
ومراد
الخلاف بين الجمهور والحنفية إلى اختلافهم في مسألتين :
الأولى
: هل نهى الشارع عن عقد معناه عدم الاعتداد به في أحكام الدنيا ، مع الإثم في أحكام
الاخره لمن يقدم عليه ، أم انه يعتد به بعض الاعتداد في أحكام الدنيا مع الإثم في
الاخره .
الثانيه
: هل النهي عن العقد لخلل في أصله ، كالنهي عن العقد لخلل في أوصافه دون أركانه؟
بمعنى : ان النهي عنه في الحالتين سواء ، ولا يترتب على كل منهما أي اثر؟ أم ان
بينهما فرقا ؟
أما
الجمهور ، فيقولون عن المسألة الأولى : إن نهي الشارع عن عقد معناه عدم الاعتداء
به إذا وقع ، فلا تترتب عليه أثاره الشرعية ، ويلحق صاحبه الإثم في الاخره .
ويقولون
عن المسألة الثانيه : إن النهي ان كان راجعا إلى أمر يتصل بأركان العقد ، كان
معناه بطلان العقد وعدم اعتباره إذا وقع ،كبيع الميتة وبيع المجنون ، وإذا كان
النهي لأمر يتصل بأوصاف العقد ، كان العقد فاسدا لا باطلا وترتبت عليه بعض الآثار
.
الحـــــــــاكـــم :
الحاكم
، أي : الذي يصدر عنه الحكم ، هو الله وحده فلا حكم إلا ما حكم به ، ولا شرع إلا
ما شرعه ، وعلى هذا دل القران واجمع المسلمون ، ففي القران قوله تعالى: ( إن الحكم إلا لله ) .
وعلى
هذا الأساس كان الحكم بغير ما انزل الله كفرا ، قال تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله
فأولئك هم الكافرون ) .
وإذا
كان الإجماع منعقدا على ان الحاكم هو الله ، إلا أن العلماء اختلفوا في مسألتين ،
وهما :
الأولى
: هل أحكام الله لا تعرف إلا بواسطة رسله ، أو يمكن العقل ان يستقل بإدراكها وعلى
أي أساس يكون ذلك ؟
الثانيه
وإذا أمكن للعقل ان يدرك حكم الله دون وساطة الرسول ، فهل يكون هذا الإدراك مناط
التكليف وما يتبعه من ثواب وعقاب في الأجل ، ومدح وذم في العاجل؟
القول
الأول : وهو مذهب المعتزلة ، وفريق من الجعفرية .
إن
في الأفعال حسنا ذاتيا، وقبح ذاتيا ، وان العقل
يستقل بإدراك حسن أو قبح معظم الأفعال بالنظر إلى صفات الفعل وما يترتب
عليه من نفع أو ضرر، أي : مصلحه أو مفسده .
فأحكام
الشرع في نظر أصحاب هذا القول : لا تأتي إلا موافقة لما أدركه العقل من حسن
الأفعال أو قبحها ، فما أدرك العقل حسنه جاء الشرع بطلب فعله ولايمكن ان يطلب تركه
، وما أدرك العقل قبحه جاء الشرع بطلب تركه ولا يمكن ان يطلب فعله ، وما لم يدرك
العقل حسنه ،أو قبحه كما في بعض العبادات وكيفياتها فإن أمر الشارع أو نهيه فيها
يكشفان عن حسن أو قبح هذا النوع من الأفعال .
وبنو
على ذلك :ان الإنسان مكلف قبل بعثه الرسل أو قبل بلوغ الدعوة إليه ، إذ عليه يفعل
ما أدرك العقل حسنه وان يترك ما أدرك العقل قبحه ، لأن هذا هو الحكم الله ، ومع
التكليف المسؤولية والحساب وما يتبع ذلك من ثواب وعقاب .
القول
الثاني : قول الأشعري ، وهو جمهور الأصوليين .
وخلاصته
: ان العقل لا يستقبل بإدراك حكم الله ،
بل لا بد من وساطة الرسول وتبليغه ، فليس في الأفعال حسن ذاتي يوجب على الله ان
يأمر به ، كما ليس في الأفعال قبح ذاتي
يوجب على الله ان ينهي عنه ، فإرادة الله مطلقه لا يقيدها شيء، فالحسن ما جاء
الشارع ونهيه حسن ولا قبح ، والفعل إنما يصير حسنا لأمر الشارع به لذات الفعل ،
ويصير قبحا لنهي الشارع عنه لا لذات الفعل ، ويصير قبيحا لنهي الشارع عنه لا لذات
الفعل ، الأفعال تستمد حسنها وقبحها من أمر الشارع ونهيه لا من حسن أو قبح في ذواتها
.
وبنو
على ذلك : ان حكم الله في أفعال العباد قبل بعثة الرسل ، فلما لم يأت رسول يبلغ أحكام
الله للعباد لا يثبت لأفعالهم حكم ، فلا يجب عليهم شيء ولا يحرم عليهم فعل ، وحيث
لا حكم فلا تكليف ، وحيث لا تكليف فلا حساب ولا مدح ولا ثواب ولا ذم ولا عقاب .
القول
الثالث : وهو قول أبي منصور محمد بن محمد الماتريدي ، وهو ما ذهب إليه محققو الحنفية وبعض الأصوليين ، وهو قول
فريق من الجعفرية وغيرهم .
وخلاصة
هذا القول : ان للأفعال حسنا وقبحا يستطيع العقل إدراكها في معظم الأفعال بناء على
مافي الفعل من صفات ، وما يترتب عليه من مصالح ، ومفاسد ، ولكن لا يلزم من كون الفعل
حسنا حسب إدراك العقل ان يأمر به الشرع ، ولا يلزم من كون الفعل حسنا حسب إدراك
العقل أن يأمر به الشرع ، ولا يلزم من كون الفعل قبيحا ان ينهي عنه الشرع ، لأن العقول
مهما نضجت فهي قاصرة ، ومهما اتسعت فيه ناقصة.
وبنوا
على ذلك : ان حكم الله لا يدرك بدون وساطة رسول وتبليغه ، ومن ثم فلا حكم لله في
أفعال العباد قبل بعثة الرسل أو قبل بلوغ الدعوة ، وحيث لا حكم فلا تكليف ، وحيث
لا تكليف فلا ثواب ولا عقاب . وهو القول الراجح .
ثمرة
الخلاف :
ويترتب
على الخلاف مسألة التحسين والتقبيح ما يأتي :
أولا
: من لم تبلغه دعوة الإسلام أو دعوة الرسل على وجه العموم ، فعند المعتزلة ، يؤاخذ
بفعله ، ويحاسب على أعماله ، لأن المطلوب منه : فعل ما أدرك العقل حسنه ، وترك ما أدراك
العقل قبحه وهذا هو حكم الله .
وعند
الأشعري والماتريديه ومن وافقهم : لا حساب ولا ثواب ولا عقاب على من لم تبلغه الدعوة
.
ثانيا
: بعد ورود شريعة الإسلام ، لا خلاف بين العلماء في ان حكم الله يدرك بواسطة ما
جاء عن الله في كتابه ، أو ما جاء في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
وكلاهما
قام النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغه .
المــحــكــوم فـيـه :
المحكوم
فيه : هو ما يتعلق
به خطاب الشارع ، وهو لا يكون إلا فعلا إذا كان خطاب الشارع حكما تكليفيا ، أما في
الحكم الوضعي : فقد يكون فعلا للمكلف كما في العقود والجرائم ، وقد لا يكون فعلا
له ولكن يرجع إلى فعله : كشهود شهر رمضان الذي جعله الشارع سببا لوجوب الصيام ،
والصيام فعل المكلف : هو إيتاء الزكاة فجعلها واجبا .
فقوله
تعالى : ( واتوا
الزكاة ) الإيجاب
المستفاد من هذا الحكم تعلق بفعل المكلف هو إيتاء الزكاة فجعله واجبا .
وقوله
تعالى : ( ولا
تقربوا الزنى ) ،
التحريم المستفاد من هذا الحكم تعلق بفعل للمكلف : وهو الزنى ، فجعله محرما .
شروط صحة التكاليف بالفعل أو شروط المحكوم فيه
:
يشترط
في الفعل حتى يصح التكليف به جمله شروط هي :
أولا
: ان يكون معلوما للمكلف علما تاما حتى يتصور قصده إليه وقيامه به كما طلب منه فلا
يصح التكليف بالمجهول .
والمراد
بالعلم ، علم المكلف فعلا أو إمكان علمه ، بأن يكون قادرا بنفسه أو بالواسطة على
معرفة ما كلف به . والقرينة على إمكان علمه ،وجوده في دار الإسلام .
وقاعدة
: لا يصح الدفع بالجهل بالأحكام في دار الإسلام . خلاف ماهو المقرر بالنسبة إلى
دار الحرب ( إي دار غير الإسلام ) .
والقاعدة
في القوانين الوضعية كالقاعدة في الشريعة الإسلامية ‘ فالقانون يعتبر معلوما لدى
المكلفين إذا مانشر بالطرق القانونية ، كما لو نشر في الجريدة الرسمية .
ثانيا
: أن يكون الفعل المكلف به مقدورا، أي : م الأفعال التي يمكن للمكلف فعلها أو
تركها ، ويترتب على هذه الشروط ما يأتي :
ولا
تكليف بالمستحيل ، سواء أكان المستحيل لذاته : كالجمع بين النقيضين ، ام كان
مستحيلا لغيره ، هو ما لم تجر العادة بو قوعه ، وإن كان العقل يجوز ذلك ، كالطيران
بلا آلة .
لا
تكليف بما لا يدخل تحت إرادة الإنسان .
ومن
هذه القبيل : التكليف بالأمور الوجدانية والقلبية التي تستولي على النفس ولا يملك
الإنسان دفعها ، ولهذا جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في
قسمه بين أزواجه : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا املك)
يعني في الميل القلبي لبعض أزواجه أكثر من البعض الأخر ؟
وكذلك
الحديث الشريف : ( لا تغضب ) .
إن
الميول القلبية ، وإن كانت لا تدخل تحت التكليف لإحدى زوجتيه أكثر من الأخرى ،
وكحب الأب بعض أولاده أكثر من الآخرين ، إلا انه عليه ان يعدل بين أولاده ، وبين
زوجتيه .
أما
الميول القلبية التي هي من الأيمان أو من لوازمه كحب الله ورسوله ، فهذه تكون
واجبة على المكلف، ومطلوبا منه تحصيلها بتحصيل أسبابها ، ولا يعذر في عدم تحصيلها أو
في وجود ضدها كبغض الله ورسوله .
إن
الفعل يشترط فيه ان يكون مقدورا عليه ، ولكن هل يشترك فيه أن لا يكون شاقا . أي
فعل لا يخلو من مشقه ، فا لمشقه من لوازم التكليف ، أما المشقة غير الاعتيادية
التي لا تطيقها النفس ، فإن الحكم يختلف كما يلي :
أولا
: مشقه غير عاديه مثل : الصيام في حالة السفر والمرض ، ومثل الإكراه على كلمة
الكفر ، ومثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا ترتب على القائم به هلاك نفسه ،
ففي هذه الأحوال دفع الشارع الحكيم بالرخص التي شرعها فأباح للمكلف ترك الأفعال
الواجبة ، وإتيان الأفعال المحظورة للمشقات .
ولكن
الشارع مع هذا جعل تحمل بعض المشتقات غير الاعتيادية في بعض الأحوال من قبيل المندوب
، كما ان المكره على الكفر ، فله ان يقول كلمة الكفر رخصة . والمندوب : صبره على
الأذى وامتناعه عن مقالة الكفر ، ولو أدى ذلك إلى هلاكه .
ثانيا
: مشقه غير عاديه ولكن لابد تحملها لضرورة القيام بالفروض الكفائيه : كالجهاد فهو
فرض على الكفاية . وهذا الضرب التكليف ، يكون في الفروض الكفائيه لا في الفروض العينية
.
ثالثا
: مشقه غير عاديه لا تأتي من ذات الفعل وطبيعته ، وإنما بسبب المكلف نفسه بالتزامه
الأفعال الشاقة التي لم يأت بها الشرع .
وهذا
النوع من الأفعال لا يجوز فقد روى : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي رجلا قائما
في الشمس ، فسأل عنه ، فقال، فقالوا : يا رسول الله إنه نذر ان يقوم في الشمس ولا
يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ولا يصوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مروه فلتكلم
وليقعد وليتم صومه .
والحكمة
في هذا كله : أن تعذيب الجسد وتحميله المشاق بلا غرض مشروع وليس للشارع مصلحه في
إيذاء الجسد وتحميله المشاق بلا غرض مشروع وليس للشارع مصلحه من إذاء الجسد ، بل المصلحة
في حفظه والعناية به ، حتى يستطيع المكلف القيام بصالح الأعمال .
المحكوم فيه من ناحية
الجهل التي يضاف إليها :
أفعال
المكلفين التي تعلقت بها الأحكام الشرعية : أن يكون المقصود به مصلحة عامه أو خاصة
، فإن كان المقصود بها مصلحة المجتمع عامه فالفعل هو حق الله تعالى ، وان كان
المقصود بها مصلحه خاصة فالفعل حق العبد ، وقد يجتمع في الفعل حق الله وحق العبد ،
ويكون حق الله هو الغالب أو حق العبد هو الغالب . وهذي الأنواع هي :
1- حـــق الله
: هو حق المجتمع ،ولهذا يعرفونه : بأن ما تعلق به النفع العام من غير اختصاص بأحد
، وهذا الحق لا يجوز إسقاطه ، فهو كالنظام العام عند القانونيين وقد وجد بالاستقراء
: أن حقوق الجهل الخالصة هي ما يأتي :
أولا:
العبادات المحضة : كالإيمان والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد .
ثانيا:
العبادات التي فيها معنى المؤونة ، مثل صدقه الفطر ، فهي عبادة ،لأنها تقرب إلى
الله بالتصدق على الفقير ، وكونها فيها معنى المؤونة ، بأنها وجبت على المكلف بسبب
غيره .
ثالثا
: الضرائب على الأرض العشرية ، وهذه سماها الأصوليين : مؤونه فيها معنى العبادة ،
أما أنها مؤونة : فلأنها ضربية الأرض ، وبهذه الضربيه تبقى الأرض بيد أصحابها غير
معتدي عليها ، وأما أن فيها معنى العبادة
: فلأن العشر المأخوذ هو زكاة الزرع الخارج من الأرض ويصرف في مصارف الزكاة .
رابعا
: الخراج : أي : الضرائب على الأرض الخراجية ، وهي الأرض التي تركبيد أصحابها غير
المسلمين بعد فتح المسلمين لها واستيلائهم عليها، فتفرض عليها ضربية معينة .
خامسا:
عقوبات كاملة ليس فيها معنى أخر غير العقوبة ، وهي الحدود ،أي : العقوبات المقدرة
التي شرعت للمصلحة العامة ، واعتبرت لذلك من حق الله ، مثل : حد الزنى ، وحد الشرب
، وحد السرقة .
سادسا
: عقوبات قاصرة : وهي حرمان القاتل من الإرث ، وإنما كانت قاصرة لأن ليس في إذا
بدني ، أو تقييد لحرية الجاني .
سابعا
: عقوبات فيها العبادة ،وهي الكفارات ، مثل كفارة الحنث في اليمين ، وكفارة الإفطار
عمدا في رمضان .
فهذه
عقوبات لأنها جزاء على معصية ، وفيها معنى العبادة لأنها تؤدي بما هو عبادة.
ثامنا
: حق قائم بنفسه ، أي : لم يتعلق بذمة مكلف ليؤديه طاعة الله ، وإنما وجب هذا الحق
بذاته وابتداء لله تعالى / وهو خمس الغنائم ، وما يستخرج من معادن وكنوز الأرض .
2- حق العبد :
وأم الحق الخالص للعبد :فهو ما كان المقصود به مصلحة خاصة الفرد ، كضمان المتلفات
، استفياء الديون والدية ، ونحو ذلك ، وهذا النوع من الحق يكون الخيار في استيفاء
إلى المكلف نفسه ، فإن شاء أسقطه إن شاء استوفاه .
ما اجتمع فيه الحقان ،
وحق الله فيه غالب :
ومثاله
: حد القذف ، فالقذف جريمة تمس الأعراض ، وتشيع الفاحشة في المجتمع ، وفي ترتيب العقوبة على هذه الجريمة مصلحة عامة لما
فيها من ردع المجرمين وصيانة الأعراض وأخلا المجتمع من الفساد ،فكانت هذه العقوبة
من حق الله ومن جهة أخرى : فإن هذه العقوبة مصلحة خاصة للمقذوف ، إذ فيها إظهار
لشرفه وعفته ودفع العار عنه ، فكان في هذه العقوبة حق العبد من هذه الجهة ، إلا أن
حق الله هو الغالب ، ولهذا لا يجوز للمقذوف إسقاطه الحد ( أي : العقوبة ) عن القذف
، لأن حق الله لا يسقط بإسقاط العبد .
ما اجتمع فيه الحقان ،
وحق العبد فيه غالب :
ومثاله
: القصاص من القاتل العمد ، فإن فيه تأمين حياة الناس وحفظ الأمن ، وكله من
المصلحة العامة فيكون بهذا الاعتبار حقا لله تعالى .
ومن
جهة أخرى يحقق القصاص مصلحة خاصة للفرد :
هي شفاء صدور أولياء القتيل وإزالة غضبهم وحقدهم على القاتل ، فيكون بهذا الاعتبار
حقا للعبد ، ولما كان مساس الجريمة بالمجني عليه وبأوليائه أقوى وأظهر من مساسها
بالمجتمع ، جعل حق العبد هو الغالب .
ولما
كان في القصاص حق الله ، فإن القاتل إذا نجا من الموت لعفو ولي القتيل ، فإن
الدولة لها أن توقع عليه عقوبة تعزيرية .
المـــحـكـوم عليه :
المحكوم
عليه : هو الشخص الذي تعلق خطاب الشارع بفعله ، ويسميه علماء الأصول : بالمكلف .
شروط
صحة التكليف :
يشترك في
الإنسان حتى يصبح تكليفه شرعا : أن يكون قادرا على فهم خطاب التكليف الموجه إليه .
ودليل ذلك
، قوله عليه الصلاة والسلام : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن
الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ) وفي رواية ( حتى يعقل) .
شرط التكليف
، وهو البلوغ عاقلا ، فالمكلف إذن هو البالغ العاقل .
اعتراض
على شرط التكليف :
وقد
يعترض على هذا الشرط بما يأتي :
الاعتراض
الأول : أن تكليف مالا يفهم الخطاب قد قال تعالى : ( يا أيها الذين امنوا لاتقربوا الصلاة
وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) ، فالسكارى في حال سكرهم مكلفون بالكف عن الصلاة ، وهم لا
يفهمون الخطاب ، فكيف يقال : إن شرط التكليف القدرة على الفهم ؟
والجواب
: إن الخطاب في هذه الآية ليس موجها إلى السكارى حال سكرهم ، وإنما هو موجه إلى
المسلمين حال صحوهم بأن لا يشربوا الخمر إذا قرب وقت الصلاة .
الاعتراض
الثاني : أن الشريعة الإسلامية عامه لجميع البشر ، بدليل قوله تعالى : (قل يا أيها الناس إني رسول الله
إليكم جميعا ) وفي
الناس غير العربي الذي لا يفهم اللغة العربية ، فكيف يوجه الخطاب باللسان العرب
إلى من لا يفهمه ويكون مكلفا
والجواب
: إن القدرة على فهم الخطاب شرط لا بد منه لصحة التكليف ، فالذين لا يفهمون اللسان
العربي ، ولا يمكن تكليفهم شرعا ، إلا إذا كانوا قادرين على فهم خطاب الشارع .
الاعتراض
الثالث :
في
القران الكريم ما لا يمكن فهمه، وهو الحروف المقطعة في أوائل بعض السور ، فكيف
يقال : ليس في القران والسنة ما يمكن فهمه ؟
والجواب
: إن هذه الحروف ليست من خطابات التكليف ، ومن ثم فلا يتوقف أمر التكليف عليها ،
ومن جهة أخرى :فإن لهذه الحروف معنى واضحا ، هو ما يدل عليه كل حرف على حده .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق