البــاب الثــالث
ــــــــــــــــــــــــ
طرق استنباط الأحكام وقواعده
طرق الاستنباط وقواعده ، تقوم على العلم بالقواعد الأصولية
اللغوية ومقاصده التشريع العامة ، وكيفية رفع التعارض بين الأدلة وترجيح على بعض ومعرفة الناسخ والمنسوخ .
اللغوية ومقاصده التشريع العامة ، وكيفية رفع التعارض بين الأدلة وترجيح على بعض ومعرفة الناسخ والمنسوخ .
الفـصـل الأول
ــــــــــــــــــــــــ
القواعد الأصولية اللغوية
والفظ عند الأصوليين ، بالنسبة للمعنى وعلاقته به ،ينقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : باعتبار وضع الفظ للمعنى ، وهو بهذا الاعتبار ، خاص وعام ومشترك.
القسم الثاني : باعتبار وضع اللفظ في المعنى الموضوع له أوفي غيره ، وهو بهذا الاعتبار حقيقة ومجازة ، وصريح وكناية .
القسم الثالث : باعتبار استعمال اللفظ في المعنى ، أي : من حيث وضوح المعنى وخفاؤه من اللفظ ، المستعمل فيه ، وهو بهذا الاعتبار ، ظاهر ونص ومفسر ومحكم وخفي ومجمل ومشكل ومتشابه .
القسم الرابع : باعتبار كيفية دلالة اللفظ على المعنى المستعمل فيه ، وطرق فهم المعنى من اللفظ ، وبهذا الاعتبار تكون دلالة اللفظ على المعنى إما بطريق العبارة إو الإشارة أو الدلالة أو الاقتضاء .
المبحث الأول
ـــــــــــــــــــــــــ
في وضع اللفظ والمعنى
اللفظ باعتبار وضعه للمعنى ، ينقسم إلى خاص وعام ومشترك والخاص يندرج تحته المطلق والمقيد والأمر والنهي .
المطلب الأول
ــــــــــــــــــــــ
الـخـــاص
تعريفه وأنواعه :
الخاص في اللغة : هو المنفرد من قولهم : اختص فلان بكذا ، أي : انفرد به .
اصطلاح الأصوليين : هو كل لفظ وضع لمعنى واحد على الانفراد .
وهو ثلاثة أنواع : خاص شخصي ، كأسماء الأعلام ، مثل : زيد ومحمد ، وخاص نوعي ، مثل : رجل وامرأة وفرس ، وخاص جنسي ، مثل : إنسان ، ومن الخاص اللفظ الموضوع للمعاني لا للذوات ، مثل : العلم والجهل ، ونحوهما والخاص الجنسي كلاهما له معنى واحد ، فهما من هذا الناحية كالخاص الشخصي الموضوع لمعنى واحد وهو الذات الشخصية .
أن ألفاظ الأعداد كالثلاثة والعشرة ، كلها من الخاص باعتبار أنها من الخاص النوعي.
ولكن البعض الأخر جعل أسماء الأعداد من الخاص. لا على أساس أنها من الخاص النوعي ولكن على أساس أنها تدل على أفراد كثيرة محصورة بنفس اللفظ .
حكم الخاص :
الخاص بين في نفس ، ولهذا فهو يدل على معناه الموضوع له دلالة قطعية ، وأي : بدون احتمال ناشئ عن دليل ويثبت الحكم لمدلوله على سبيل القطع لا الظن ، مثل قولة تعالى في كفارة اليمين : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) فالحكم المستفاد من هذا النص هو وجوب صيام ثلاثة أيام ، لأن لفظ الثلاثة من ألفاظ الخاص ، فيدل على معناه قطعا ولا يحتمل زيادة ولا نقصا .
الفرع الأول
ـــــــــــــــــــــ
المطلق والمقيد
تعريف المطلق والمقيد :
المطلق : هو اللفظ الدال على مدلول شائع في جنسه مع تقييده بوصف من الأوصاف وبعبارة أخرى ، هو ما كان من الألفاظ الدالة على فرد أو أفراد غير معينة مع اقترانه بصفة تدل على تقييده بها ، مثل : رجل عراقي .
أنه يجري على إطلاقه ، فلا يجوز تقييده بأي قيد ، إلا إذا قام الدليل على التقييد ، على معناه قطعية ، ويثبت الحكم لمدلوله ، لأنه من أقسام الخاص ، وهذا هو حكم الخاص . : ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) فكلمة رقبة وردت في النص مطلقةة من كل قيد ، فتحمل على إطلاقها ، فيكون الواجب تحرير أي رقبة إذا أراد المظاهر العود إلىى زوجته .
ومثال المطلق الذي قام الدليل على تقييده ، قوله تعالى : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) فكلمة ( وصية ) وردت في النص مطلقة ، ولكن قام الدليل على تقييدها بالثلث ، ودليل التقييد هو الحديث المشهور عن سعد بن أبي وقاص ، حيث منعه الرسول عليه السلام من الوصية بأكثر من الثلث .
حكم المقيد :
لزوم العمل بموجب القيد فلا يصح إلغاؤه ، إلا إذا قام الدليل على ذلك ، ومثال ذلك قوله تعالى في سياق تعداد المحرمات : ( وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) وعلى ذلك فالبنت تحرم على من تزوج أمها ودخل بها ، لأن حرمة البنت مقيدة بنكاح أمها والدخول بها لا بمجرد العقد عليها .
حمل المطلق على قيد :
قد يرد اللفظ مطلقا في نص ، ويرد نفس اللفظ مقيدا في نص أخر ، فهل يحمل المطلق على المقيد ، بمعنى : أن المطلق يراد به المقيد ،ولا بد من بيان الحالات التي يرد فيها اللفظ مطلقا في نص ومقيدا في نص أخر ، وحكم كل حالة .
وهذه الحالات هي :
أولا : إذا كان حكم المطلق والمقيد واحدا ، مثاله : قوله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) . وقوله تعالى : ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا ) فلفظ ( الدم ) ورد في الآية الأولى مطلقا ، ورد في الثانية مقيدا بكونه مسفوحا ، والحكم في الآيتين واحد هو حرمة تناول الدم ، وسبب الحكم واحد وهو الضرر الناشئ عن تناول الدم ، فيحمل المطلق على المقيد .
ثانيا : ان يختلف المطلق والمقيد في الحكم والسبب ، مثل قوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ، وقوله تعالى : ( يا أيها الذين امنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) ، فكلمة ( الأيدي ) في الآية الأولى : وردت مطلقه ، وفي الثانيه مقيدة إلى المرفق والحكمم مختلف ، ففي الآية الأولى: قطع يد السارق والسارقة ، وفي الثانية: وجوب غسل الأيدي ، وسببب الحكم في الآية الأولى: السرقة ، وفي الثانية ، إرادة الصلاة ففي هذه الحالة لا يحمل المطلق على المقيد ، بل يعمل بالمطلق في موضعه وبالمقيد في موضعه ، إذ لا صلة ولا ارتباط أصلا بين موضعي النصين .
ثالثا : أن يختلف الحكم ويتحدد السبب ، وفي هذه الحالة يبقى المطلق علا إطلاقه ويعمل به في موضعه الذي ورد فيه ، مثاله : قوله تعالى: ( يا أيها الذين امنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) ، وقوله تعالى : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) ، فالحكم في النص الأول : وجوب غسل الأيدي التي وردت مقيدة ، والحكمم في النص الثاني : مسح الأيدي التي وردت مطلقة ، والسبب للحكمين متحد وهو إرادة الصلاة ففيي هذه الحالة لا يحمل المطلق على المقيد ، بل يعمل كل منهما في موضعه بموجب إطلاقه أو تقييده .
ثالثا : أن يختلف الحكم ويتحدد السبب ، وفي هذه الحالة يبقى المطلق علا إطلاقه ويعمل به في موضعه الذي ورد فيه ، مثاله : قوله تعالى: ( يا أيها الذين امنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) ، وقوله تعالى : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) ، فالحكم في النص الأول : وجوب غسل الأيدي التي وردت مقيدة ، والحكمم في النص الثاني : مسح الأيدي التي وردت مطلقة ، والسبب للحكمين متحد وهو إرادة الصلاة ففيي هذه الحالة لا يحمل المطلق على المقيد ، بل يعمل كل منهما في موضعه بموجب إطلاقه أو تقييده .
رابعا : أن يكون حكم المطلق والمقيد واحدا ، ولكن سبب الحكم فيهما مختلف ، ففي هذه الحالة يعمل بالمطلق على إطلاقه فيما ورد فيه ، وبالمقيد على تقييده فيما ورد فيه ، وهذا عند الحنفية والجعفرية ، وعند غيرهم كالشافعية : يحمل المطلق على المقيد ، ومثاله : قوله تعالى في كفارة الظهار : ( فتحرير رقبة مؤمنة ) ، فلفظ ( رقبة ) جاء في النص الأول مطلقا ، وفي الثاني مقيدا .
وحجة أصحاب القول الثاني : هي أن الحكم ما دام متحدا مع ورود اللفظ مطلقا في نص ومقيد وفي نص أخر ، فينبغي حمل المطلق على المقيد لتساويهما في الحكم .
وحجية الحنفية : أن اختلاف السبب قد يكون هو الداعي إلى الطلاق والتقييد .
ففي كفارة القتل الخطأ قيدت الرقبة بكونها مؤمنة تغليظا على القاتل ، وفي الظهار جعل الكفارة رقبة مطلقة تخفيفا عن المظاهر ، فإن حمل المطلق على المقيد إنما يكون لدفع التعارض بينهما . ومع اختلاف السبب لا يتحقق التعارض ، والراجح هو قول الحنفية والجعفرية .
الفــرع الـثـــاني
ـــــــــــــــــــــــــ
الأمــــر
الأمر من أقسام الخاص، وهو اللفظ الموضوع لطلب الفعل على سبيل الاستعلاء .
فمن الأول : قوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) .
ومن الثاني : قوله تعالى : (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) .
مــوجــب الأمر :
صيغة الأمر ترد لمعان كثير منها : الواجب والندب والإباحة والتهديد والإرشاد والتأديب والتعجيز والدعاء وغير ذلك من المعاني .
ومثاله من السنة قوله عليه السلام : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) وهو دليل الواجب .
اختلف القائلون بأن الأمر للوجوب ، في حكم الأمر بالشيء بعد النهي عنه وتحريمه، فذهب بعضهم إلى أنه يدل على الإباحة ، مثل قوله تعالى : ( وإذا حللتم فاصطادوا ).
وذهب آخرون على أن الأمر بعد الحظر والتحريم يفيد الوجوب وقالوا بأن الأدلة الدالة على وجوب لا تفرق بين أمر ورد بعد التحريم ، وبين أمر غير مسبوق بالتحريم .
وذهب بعض الحنابلة : أن الأمر بعد الحظر ، ويعيد حال الفعل المأمور به إلى ما كان علية قبل الحظر ، فإن كان مباحا كان مباحا وإن كان واجبا أو مستحبا كان كذلك. وهذا القول أدنى للقبول .
دلالة الأمر على التكرار :
التكرار : هو أن تفعل فعلا ثم تعود إليه .
مثال قوله تعالى : ( يا أيها الذين امنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) ، فتكرار الوضوء مستند إلى تكرار سببه وهي إرادة الصلاة .
قوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) ، الأمر بإيقاع الجلد على الزاني يستند إلى تحقق علته وهي الزنا ، فكلما تكرر الزنى الجلد .
دلالة الأمر على الفورية أو التراخي :
هل يدل الأمر على فعل المأمور به فورا أو على التراخي ؟ اختلاف عند الفقهاء ، فالقائلون بالتكرار ، يقولون با لفور ، وأما غيرهم فيقولون : الأمر إما مقيد بوقت ، وإما غير مقيد بوقت .
والأول إما يكون مقيدا بوقت موسع أو مضيق ، فالموسع يجوز فيه التأخير إلى أخر الوقت ، أي : يجوز تأخير أداء الواجب إلى أخر الوقت ، والمضيق لا يحتمل التأخير.
وأما غير المقيد بوقت محدد كالأمر بالكافرات ، فيجوز التأخر .
مالا يتم الواجب إلا فهو واجب :
الشيء الذي يتوقف عليه إيجاد الواجب قسمان :
القسم الأول : أن لا يكون مقدورا للمكلف ، مثل : الاستطاعة لأداء واجب الحج .
فهذا القسم لا يكلف به الإنسان ولا يتناول الأمر .
القسم الثاني :أن يكون الشيء مقدورا للمكلف وهو نوعان :
النوع الأول : ما ورد في وجوبه أمر خاص . مثال قوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة ).
النوع الثاني : ما يتوقف عليه أداء الواجب ، ولم يرد بوجوبه أمر خاص .
وهذا النوع يكون واجبا بنفس الأمر الأول الذي ثبت به أصل الواجب . ومثاله الأمر بالحج يقتضي السفر إلى مكة لأداء هذا الواجب . فيكون هذا السفر واجبا بنفس الأمر بالحج ، لأن واجب الحج لا يتم أداؤه إلا بهذا السفر .
ويتضح الأمر بواجب أمر بالشيء الذي يتوقف عليه أداء هذا الواجب إذا لم يأت به أمر خاص .
الفرع الثالث
ــــــــــــــــــــــــ
النــهــي
النهي في اللغة : المنع .
وفي الاصطلاح : طلب الكف عن الفعل على جهة الاستعلاء ، كقوله تعالى : ( ولا تقربوا الزنى ) .
مــــوجــب النــهــي :
صيغة النهي استعملت في عدة معان : كالتحريم والكراهة ، والدعاء ، والتأسيس ،والإرشاد وغيرها ، فمن الأول : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) . ومن الثاني : قول النبي صلى الله عليهه وسلم : ( لا تصلوا في مبارك الإبل ) .
وصيغة النهي وضعت لتدل على طلب الكف عن الفعل جزما .
هي يقتضي النية الفور والتحريم :
ذهب البعض إلى أن النهي لا يدل بصيغته على الفور والتكرار ، لأن طبيعته لا تستلزم ذلك .
وذهب البعض : إلى أن النهي في أصله يفيد الفور والتكرار، تكرار الكف ،يقتضي ترك الفعل فورا ، نهي الشارع عن شيء فعلي المكلف الكف عنه حالا ودائما .
هل يقتضي النهي فساد المنهي عنه ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة وخلاصة أقوالهم فيما يلي :
أولا : إذا أنصب النهي على ما يؤثر في حقيقة الفعل وكيانه الشرعي ، كما لو ورد النهي بيع الجنين في بطن .
هذا يقتضي فساد المنهي عنه وبطلانه واعتباره كأن لم يكن . هو ما يعبر عنه بعض العلماء بقولهم : هو ما نهي عنه الشارع لعينه ، أي : لذات الفعل أو لجزئه .
ثانيا : إذا كان النهي غير متوجه إلى ذات الشيء ، وإنما إلى أمر مقارن أو مجاور له ولكنه غير لازم ، كالنهي عن البيع وقت الأذان لصلاة الجمعة ، فإن أثر النهي هنا , هو كراهة الفعل ، لا فساده وبطلانه .
ثالثا : إذا كان النهي ، فحقيقته ، يلاقي بعض أوصاف الفعل اللازمة له ، أي : بعض وجوده ، ولا يتجه إلى ذات الفعل وحقيقته ، في النهي عن البيع بثمن اجل مع جهالة الأجل ،وكالصوم في يوم فالجمهور يذهبون إلى فساد الفعل وبطلانه ، والحنفية يفصلون ، فيقولون بفساد وبطلان الفعل إن كان من العبادات ، وبالفساد لا البطلان إن كان من المعاملات .
فالفاسد هو الباطل عندهم في العبادات . أما المعاملات فأثارها تتوقف على أركانها وشروطها ، فإذا تحققت هذه الأركان فقد وجد الشيء ، ويثبت له كيانه ، إلا أن هذا الكيان قد يكون كاملا إذا وجدت أوصافه كافة ، وفي هذه الحالة يكون صحيحا ، وقد يكون كيانه مختلا ، مع وجوده ، لفوات بعض أوصافه ، وفي هذه الحالة قد تتحقق به مصلحة. وهذا هو الفاسد ، فهو مرتبة بين الباطل والصحيح .
وخلاصة الأمر ومما يستدل به قوله صلى الله عليه وسلم : ( كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد ) والمنهي عنه ليس أمرنا فهو رد ، وما كان مردودا فهو باطل ، وهذا هو المراد بكون النهي مقتضيا للفساد .
المطلب الثاني
ــــــــــــــــــــــــ
الــعـــام
تعريف العام :
العام في اللغة : الشامل المتعدد .
وفي الاصطلاح : لفظ يستغرق جميع ما يصلح له ، بوضع واحد دفعة واحدة من غير حصر .
ألفاظ العموم :
الألفاظ الدالة على العموم كثيرة ، من أشهرها ما يلي :
أولا : لفظ ( كل وجميع ) وهما يفيدان العموم فيما يضافان إليه . قال تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت ) .
ثانيا : الجمع المعرف بأل للاستغراق ، أو بالإضافة .
فمن الأول : قوله تعالى : ( إن الله يحب المحسنين ) .
ومن المعروف بالإضافة : قوله تعالى : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) .
ثالثا : المفرد المعروف بأل المفيدة للاستغراق، مثل قوله تعالى : ( والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر ) ، فلفظ ( الإنسان ) هنا يشمل جميع أفراد الإنسان .
رابعا : المفرد المعرف بالإضافة :
مثل قوله تعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) .
خامسا : الأسماء الموصولة كما في قوله تعالى : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) ، فكلمة ( ما ) تشمل كل ما عدا المحرمات المذكورة قبل هذه الآية .
سادسا : أسماء الاستفهام ، مثل ( من ) كقوله تعالى : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) .
سابعا : أسماء الشرط ، مثل : من، وما ، وأين . مثل قوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) ، ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله ) .
ثامنا : النكرة الواردة في سياق النفي أو النهي ، مثل قوله تعالى ( ولاتصل على أحد منهم مات أبدا ) .
دخول الإناث في خطاب الذكور : ذهب الجمهور إلى الاختصاص ، فلا يدخل النساء فيما هو للذكور إلا بدليل ، كما لا يدخل فيما هو المساء إلا بدليل ، لأن الأسماء وضعت الدلالة على مسمياتها ، ولكن قد تقوم قرائن تقتضي دخول الإناث في جمع المذكر ، كما في قرينة عموم التشريع للجميع ، وقد لا تقوم قرينة ومع ذلك تلحق الإناث بالذكور سبيل التغليب ، كما في قوله تعالى : ( قلنا اهبطوا منها جميعا ) .
وقال البعض : إن جموع المذكر تشمل الإناث بالوضع .
أقل الجمع : اختلف العلماء في اقل الجمع : هل هو اثنان أو ثلاثة ؟ قال الجمهور : إنه اثنان ، وعلى هذا يصح إطلاق لفظ الجمع على الاثنين على وجه الحقيقة لا المجاز . وهو القول الراجح .
دخول النبي صلى الله عليه وسلم في خطاب أمته :
هل يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في عموم الخطابات القرآنية ، مثل : (يا أيها الذين امنوا ) ، ( يا أيها الناس ) ، ( يا عبادي ) ؟ قال الجمهور بالإيجاب ، فلا يخرج منها إلا بدليل .
تخصيص العام :
فالتخصيص ، هو قصر العام على بعض مسمياته ، أي : أفراده ، والدليل الذي دل عليه يسمى ( المخصص) .
والجمهور قد يكون التخصيص عندهم بدليل مستقل أو غير مستقل ، مقارن للنص العام أو غير مقارن له ، ولكن بشرط أن لا يتأخر وروده عن وقت العمل به ، وإلا عد ناسخا لا مخصصا .
دليل التخصيص :
أدلة تخصيص العام نوعان : متصل ، ومنفصل ، أما المتصل : فهو ما لا يستقل بنفسه ، بل يكون مذكورا مع العام ، ويتعلق معناه باللفظ الذي قبله ، ويكون جزءا من الكلام الذي اشتمل على اللفظ العام ، أما المنفصل : فهو ما يستقل بنفسه ولا يكون جزاء من الكلام الذي اشتمل على اللفظ العام .
المخصص المنفصل ، المستقل :
وهو أربعة أنواع :
الأول : الكلام المستقل المتصل بالعام .
الثاني : الكلام المستقل المنفصل عن العام .
الثالث : العقل .
الرابع : العرف .
أولا : الكلام المستقل المتصل بالعام :
ومعنى ( مستقل ) أي : تام بنفسه ، ومثاله قوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه )فالعموم الوارد فيه يشمل كل من حضر شهر الصوم ، فيجب عليه صيامه ، ولكن خص هذا العموم بمن عدا المريض والمسافر بدليل ما جاء بعده من كلام مستقل متصل به . ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) .
ثانيا : الكلام المستقل المنفصل :
وهو الكلام التام بنفسه ، ولكنه غير موصول بالنص الوارد فيه اللفظ العام ومثاله : قوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) ، فلفظ المطلقات عام يشمل كل مطلقه ، مدخول بها أو غير مدخول بها ، ولكن هذا العموم خص بالمطلقات الدخول بهن ، وبقوله تعالى وهو المخصص هنا : ( يا أيها الذين امنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) .
ثالثا : الــعــقــل :
جميع النصوص المشتملة على تكليفات شرعية ، بقصرها على من هم أهل للتكليف دون غيرهم من صغار ومجانين ، وقد أيد الشرع دليل العقل . فجعل مناط التكليف البلوغ مع العقل .
ومثال التخصيص بالعقل ، قوله تعالى : ( أقيموا الصلاة ) .
رابعا : الـعــرف :
وهو يصلح أن يكون مخصصا للفظ العام ، قال القرافي : وعندنا العوائد مخصصه للعموم ، ومن أمثلة تخصيص العموم بالعرف ما قالوه في قوله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) ، إنه خص بغير الوالدات اللاتي ليس من عادتهم إرضاع أولادهن .
المخصص المتصل ، أي غير المستقل :
وهو كلام غير تام بنفسه ، وهو أنواع :
أولا : الاستثناء
الاستثناء : هو عبارة عن لفظ متصل بجمله ، وهذا اللفظ لا يستقل بنفسه . ومن صيغ الاستثناء : إلا ، وغير ، وعدا ، وما عدا ، وما خلا ،وليس ، ونحوهما .
ويشترط لصحة الاستثناء أن يكون متصلا بالمستثنى منه من غير تخلل فاصل بينهما ، أو ما هو في حكم المتصل .
ومثاله أيضا : قوله تعالى : ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمان ) ، الاستثناء هنا قصر ( من كفر ) وهو لفظ عام ، على من كفر باختباره ورضاه، أما من كفر مكروهاا فلا يكون كافرا .
أن الاستثناء إذا ورد بعد جمل متعاطفة فإنه يعود إلى الجميع ما لم يخصه دليل ، وذهب البعض إلى أن الاستثناء إذا ورد بعد جمل متعاطفة فإنه يعود إلى الجميع ما لم يخصه دليل ، وذهب البعض إلى أن الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة ، إلا أن يقوم الدليل على التعميم ، ومن أمثلة ذلك : قوله تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون (4) إلا الذين تابوا ..... ) فإن الاستثناء راجع إلى الفاسقين ، لا إلى الجلد .
ثانيا : الصــفــة :
والمقصود بها هنا الصفة المعنوية كقوله تعالى : ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخت وأمهاتكم الأتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن)،فتحريم الربائب مقصور على بنات الزوجات المدخول بهن ، هذا وإذا وردت الصفة بعد جمل ،فالكلام في عود الصفة إلى الجملة ، الأخيرة أو إلى جميع الجمل .
ثالثا : الــشـــــرط :
وهو ، ما لا يوجد المشروط دونهه ، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده ، وصيغه كثيرة منها : إن الشرطية،وإذا، ومن ، ومهما ، وحيثما ، وأينما ، مثل قوله تعالى : ( فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف ) ، فنفي الجناح ، وهو عان لأنه نكرة في سياق النفي – مشروط بالشرط المذكورر في الآية ، أي : إن نفي الجناح مقصور على هذه الحالة .
رابعا : الــغـــايــة :
وهي نهاية الشيء المقتضية لثبوت الحكم لما قبلها وانتقائه عما بعدها ، وصيغها : إلى ، وحتى ،ولابد أن يكون حكم ما بعدها مخالفا لما قبلها ، وهي أن تكون مذكوره عقب جملة واحدة كان ذلك دالا على إخراج ما بعد الغاية من عموم اللفظ ، واختصاص ما قبلها بالحكم ، مثل قولنا : ( انفق على طلاب الكلية إلى أن تخرجوا )، وإن كانت الغاية متعددة وهي عقب جملة واحدة ، فإن كانت الغاية على الجمع ، أي ورودها بواو العطف ، فالحكم مختص بما قبل إحدى قبل إحدى الغايتين ، مثل : انفق على طلاب الكلية إلى أن يتخرجوا ، ويسافروا إلى بلادهم . فالحكم مختص ومقصور على الطلاب قبل تخرجهم وسفرهم .
دلالة العــــام :
العام يدل على أفراد على سبيل الاستغراق ، ولكن العلماء اختلفوا دلالته على هذا الشمول ، أهي قطعية أم ظنية ؟
فذهب بعضهم ، ومنه الحنفية ، إلى أن دلالته على أفراده قطعية ما لم يخصص .
وقال الجمهور : إن دلالة العام على شمول جميع أفراده دلالة ظنية لا قطعية قبل التخصص وبعدهم .
أنواع الــعــــام :
العام ثلاثة أقسام : الأول : عام دلالته على العموم قطعية . مثل قوله تعالى : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) .
الثاني : عام يراد به الخصوص قطعا لقيام الدليل على أن المراد بهذا العام بعض أفراده لا كلهم ، مثل قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا).
الثالث : عام مخصوص ، وهو العام المطلق الذي لم تصبحه قرينة تنفي احتمال تخصيصه ولا قرينة تنفي دلالته على العموم ، مثل قوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) .
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب : اشتهر على ألسنة الأصوليين والفقهاء، قولهم : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أي أن العام يبقى على عمومه وإن كان وروده بسبب خاص كسؤال أو واقعة معينة ، فالعبرة بالنصوص وما اشتملت عليه من أحكام ، وليست العبرة بالأسباب التي دعت إلى مجيء هذه النصوص .
ومثال ذلك :
أولا : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عشطنا فنتوضأ بماء البحر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم ( هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته ) فقوله : ( الطهور ماؤه ) عام حال السعة والاضطرار ، ولا عبرة بخصوص السؤال .
البــاب الثــالث
ــــــــــــــــــــــــ
طرق استنباط الأحكام وقواعده
طرق الاستنباط وقواعده ، تقوم على العلم بالقواعد الأصولية
اللغوية ومقاصده التشريع العامة ، وكيفية رفع التعارض بين الأدلة وترجيح على بعض ومعرفة الناسخ والمنسوخ .
اللغوية ومقاصده التشريع العامة ، وكيفية رفع التعارض بين الأدلة وترجيح على بعض ومعرفة الناسخ والمنسوخ .
الفـصـل الأول
ــــــــــــــــــــــــ
القواعد الأصولية اللغوية
والفظ عند الأصوليين ، بالنسبة للمعنى وعلاقته به ،ينقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : باعتبار وضع الفظ للمعنى ، وهو بهذا الاعتبار ، خاص وعام ومشترك.
القسم الثاني : باعتبار وضع اللفظ في المعنى الموضوع له أوفي غيره ، وهو بهذا الاعتبار حقيقة ومجازة ، وصريح وكناية .
القسم الثالث : باعتبار استعمال اللفظ في المعنى ، أي : من حيث وضوح المعنى وخفاؤه من اللفظ ، المستعمل فيه ، وهو بهذا الاعتبار ، ظاهر ونص ومفسر ومحكم وخفي ومجمل ومشكل ومتشابه .
القسم الرابع : باعتبار كيفية دلالة اللفظ على المعنى المستعمل فيه ، وطرق فهم المعنى من اللفظ ، وبهذا الاعتبار تكون دلالة اللفظ على المعنى إما بطريق العبارة إو الإشارة أو الدلالة أو الاقتضاء .
المبحث الأول
ـــــــــــــــــــــــــ
في وضع اللفظ والمعنى
اللفظ باعتبار وضعه للمعنى ، ينقسم إلى خاص وعام ومشترك والخاص يندرج تحته المطلق والمقيد والأمر والنهي .
المطلب الأول
ــــــــــــــــــــــ
الـخـــاص
تعريفه وأنواعه :
الخاص في اللغة : هو المنفرد من قولهم : اختص فلان بكذا ، أي : انفرد به .
اصطلاح الأصوليين : هو كل لفظ وضع لمعنى واحد على الانفراد .
وهو ثلاثة أنواع : خاص شخصي ، كأسماء الأعلام ، مثل : زيد ومحمد ، وخاص نوعي ، مثل : رجل وامرأة وفرس ، وخاص جنسي ، مثل : إنسان ، ومن الخاص اللفظ الموضوع للمعاني لا للذوات ، مثل : العلم والجهل ، ونحوهما والخاص الجنسي كلاهما له معنى واحد ، فهما من هذا الناحية كالخاص الشخصي الموضوع لمعنى واحد وهو الذات الشخصية .
أن ألفاظ الأعداد كالثلاثة والعشرة ، كلها من الخاص باعتبار أنها من الخاص النوعي.
ولكن البعض الأخر جعل أسماء الأعداد من الخاص. لا على أساس أنها من الخاص النوعي ولكن على أساس أنها تدل على أفراد كثيرة محصورة بنفس اللفظ .
حكم الخاص :
الخاص بين في نفس ، ولهذا فهو يدل على معناه الموضوع له دلالة قطعية ، وأي : بدون احتمال ناشئ عن دليل ويثبت الحكم لمدلوله على سبيل القطع لا الظن ، مثل قولة تعالى في كفارة اليمين : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) فالحكم المستفاد من هذا النص هو وجوب صيام ثلاثة أيام ، لأن لفظ الثلاثة من ألفاظ الخاص ، فيدل على معناه قطعا ولا يحتمل زيادة ولا نقصا .
الفرع الأول
ـــــــــــــــــــــ
المطلق والمقيد
تعريف المطلق والمقيد :
المطلق : هو اللفظ الدال على مدلول شائع في جنسه مع تقييده بوصف من الأوصاف وبعبارة أخرى ، هو ما كان من الألفاظ الدالة على فرد أو أفراد غير معينة مع اقترانه بصفة تدل على تقييده بها ، مثل : رجل عراقي .
أنه يجري على إطلاقه ، فلا يجوز تقييده بأي قيد ، إلا إذا قام الدليل على التقييد ، على معناه قطعية ، ويثبت الحكم لمدلوله ، لأنه من أقسام الخاص ، وهذا هو حكم الخاص . : ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) فكلمة رقبة وردت في النص مطلقةة من كل قيد ، فتحمل على إطلاقها ، فيكون الواجب تحرير أي رقبة إذا أراد المظاهر العود إلىى زوجته .
ومثال المطلق الذي قام الدليل على تقييده ، قوله تعالى : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) فكلمة ( وصية ) وردت في النص مطلقة ، ولكن قام الدليل على تقييدها بالثلث ، ودليل التقييد هو الحديث المشهور عن سعد بن أبي وقاص ، حيث منعه الرسول عليه السلام من الوصية بأكثر من الثلث .
حكم المقيد :
لزوم العمل بموجب القيد فلا يصح إلغاؤه ، إلا إذا قام الدليل على ذلك ، ومثال ذلك قوله تعالى في سياق تعداد المحرمات : ( وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) وعلى ذلك فالبنت تحرم على من تزوج أمها ودخل بها ، لأن حرمة البنت مقيدة بنكاح أمها والدخول بها لا بمجرد العقد عليها .
حمل المطلق على قيد :
قد يرد اللفظ مطلقا في نص ، ويرد نفس اللفظ مقيدا في نص أخر ، فهل يحمل المطلق على المقيد ، بمعنى : أن المطلق يراد به المقيد ،ولا بد من بيان الحالات التي يرد فيها اللفظ مطلقا في نص ومقيدا في نص أخر ، وحكم كل حالة .
وهذه الحالات هي :
أولا : إذا كان حكم المطلق والمقيد واحدا ، مثاله : قوله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) . وقوله تعالى : ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا ) فلفظ ( الدم ) ورد في الآية الأولى مطلقا ، ورد في الثانية مقيدا بكونه مسفوحا ، والحكم في الآيتين واحد هو حرمة تناول الدم ، وسبب الحكم واحد وهو الضرر الناشئ عن تناول الدم ، فيحمل المطلق على المقيد .
ثانيا : ان يختلف المطلق والمقيد في الحكم والسبب ، مثل قوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ، وقوله تعالى : ( يا أيها الذين امنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) ، فكلمة ( الأيدي ) في الآية الأولى : وردت مطلقه ، وفي الثانيه مقيدة إلى المرفق والحكمم مختلف ، ففي الآية الأولى: قطع يد السارق والسارقة ، وفي الثانية: وجوب غسل الأيدي ، وسببب الحكم في الآية الأولى: السرقة ، وفي الثانية ، إرادة الصلاة ففي هذه الحالة لا يحمل المطلق على المقيد ، بل يعمل بالمطلق في موضعه وبالمقيد في موضعه ، إذ لا صلة ولا ارتباط أصلا بين موضعي النصين .
ثالثا : أن يختلف الحكم ويتحدد السبب ، وفي هذه الحالة يبقى المطلق علا إطلاقه ويعمل به في موضعه الذي ورد فيه ، مثاله : قوله تعالى: ( يا أيها الذين امنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) ، وقوله تعالى : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) ، فالحكم في النص الأول : وجوب غسل الأيدي التي وردت مقيدة ، والحكمم في النص الثاني : مسح الأيدي التي وردت مطلقة ، والسبب للحكمين متحد وهو إرادة الصلاة ففيي هذه الحالة لا يحمل المطلق على المقيد ، بل يعمل كل منهما في موضعه بموجب إطلاقه أو تقييده .
ثالثا : أن يختلف الحكم ويتحدد السبب ، وفي هذه الحالة يبقى المطلق علا إطلاقه ويعمل به في موضعه الذي ورد فيه ، مثاله : قوله تعالى: ( يا أيها الذين امنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) ، وقوله تعالى : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) ، فالحكم في النص الأول : وجوب غسل الأيدي التي وردت مقيدة ، والحكمم في النص الثاني : مسح الأيدي التي وردت مطلقة ، والسبب للحكمين متحد وهو إرادة الصلاة ففيي هذه الحالة لا يحمل المطلق على المقيد ، بل يعمل كل منهما في موضعه بموجب إطلاقه أو تقييده .
رابعا : أن يكون حكم المطلق والمقيد واحدا ، ولكن سبب الحكم فيهما مختلف ، ففي هذه الحالة يعمل بالمطلق على إطلاقه فيما ورد فيه ، وبالمقيد على تقييده فيما ورد فيه ، وهذا عند الحنفية والجعفرية ، وعند غيرهم كالشافعية : يحمل المطلق على المقيد ، ومثاله : قوله تعالى في كفارة الظهار : ( فتحرير رقبة مؤمنة ) ، فلفظ ( رقبة ) جاء في النص الأول مطلقا ، وفي الثاني مقيدا .
وحجة أصحاب القول الثاني : هي أن الحكم ما دام متحدا مع ورود اللفظ مطلقا في نص ومقيد وفي نص أخر ، فينبغي حمل المطلق على المقيد لتساويهما في الحكم .
وحجية الحنفية : أن اختلاف السبب قد يكون هو الداعي إلى الطلاق والتقييد .
ففي كفارة القتل الخطأ قيدت الرقبة بكونها مؤمنة تغليظا على القاتل ، وفي الظهار جعل الكفارة رقبة مطلقة تخفيفا عن المظاهر ، فإن حمل المطلق على المقيد إنما يكون لدفع التعارض بينهما . ومع اختلاف السبب لا يتحقق التعارض ، والراجح هو قول الحنفية والجعفرية .
الفــرع الـثـــاني
ـــــــــــــــــــــــــ
الأمــــر
الأمر من أقسام الخاص، وهو اللفظ الموضوع لطلب الفعل على سبيل الاستعلاء .
فمن الأول : قوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) .
ومن الثاني : قوله تعالى : (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) .
مــوجــب الأمر :
صيغة الأمر ترد لمعان كثير منها : الواجب والندب والإباحة والتهديد والإرشاد والتأديب والتعجيز والدعاء وغير ذلك من المعاني .
ومثاله من السنة قوله عليه السلام : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) وهو دليل الواجب .
اختلف القائلون بأن الأمر للوجوب ، في حكم الأمر بالشيء بعد النهي عنه وتحريمه، فذهب بعضهم إلى أنه يدل على الإباحة ، مثل قوله تعالى : ( وإذا حللتم فاصطادوا ).
وذهب آخرون على أن الأمر بعد الحظر والتحريم يفيد الوجوب وقالوا بأن الأدلة الدالة على وجوب لا تفرق بين أمر ورد بعد التحريم ، وبين أمر غير مسبوق بالتحريم .
وذهب بعض الحنابلة : أن الأمر بعد الحظر ، ويعيد حال الفعل المأمور به إلى ما كان علية قبل الحظر ، فإن كان مباحا كان مباحا وإن كان واجبا أو مستحبا كان كذلك. وهذا القول أدنى للقبول .
دلالة الأمر على التكرار :
التكرار : هو أن تفعل فعلا ثم تعود إليه .
مثال قوله تعالى : ( يا أيها الذين امنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) ، فتكرار الوضوء مستند إلى تكرار سببه وهي إرادة الصلاة .
قوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) ، الأمر بإيقاع الجلد على الزاني يستند إلى تحقق علته وهي الزنا ، فكلما تكرر الزنى الجلد .
دلالة الأمر على الفورية أو التراخي :
هل يدل الأمر على فعل المأمور به فورا أو على التراخي ؟ اختلاف عند الفقهاء ، فالقائلون بالتكرار ، يقولون با لفور ، وأما غيرهم فيقولون : الأمر إما مقيد بوقت ، وإما غير مقيد بوقت .
والأول إما يكون مقيدا بوقت موسع أو مضيق ، فالموسع يجوز فيه التأخير إلى أخر الوقت ، أي : يجوز تأخير أداء الواجب إلى أخر الوقت ، والمضيق لا يحتمل التأخير.
وأما غير المقيد بوقت محدد كالأمر بالكافرات ، فيجوز التأخر .
مالا يتم الواجب إلا فهو واجب :
الشيء الذي يتوقف عليه إيجاد الواجب قسمان :
القسم الأول : أن لا يكون مقدورا للمكلف ، مثل : الاستطاعة لأداء واجب الحج .
فهذا القسم لا يكلف به الإنسان ولا يتناول الأمر .
القسم الثاني :أن يكون الشيء مقدورا للمكلف وهو نوعان :
النوع الأول : ما ورد في وجوبه أمر خاص . مثال قوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة ).
النوع الثاني : ما يتوقف عليه أداء الواجب ، ولم يرد بوجوبه أمر خاص .
وهذا النوع يكون واجبا بنفس الأمر الأول الذي ثبت به أصل الواجب . ومثاله الأمر بالحج يقتضي السفر إلى مكة لأداء هذا الواجب . فيكون هذا السفر واجبا بنفس الأمر بالحج ، لأن واجب الحج لا يتم أداؤه إلا بهذا السفر .
ويتضح الأمر بواجب أمر بالشيء الذي يتوقف عليه أداء هذا الواجب إذا لم يأت به أمر خاص .
الفرع الثالث
ــــــــــــــــــــــــ
النــهــي
النهي في اللغة : المنع .
وفي الاصطلاح : طلب الكف عن الفعل على جهة الاستعلاء ، كقوله تعالى : ( ولا تقربوا الزنى ) .
مــــوجــب النــهــي :
صيغة النهي استعملت في عدة معان : كالتحريم والكراهة ، والدعاء ، والتأسيس ،والإرشاد وغيرها ، فمن الأول : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) . ومن الثاني : قول النبي صلى الله عليهه وسلم : ( لا تصلوا في مبارك الإبل ) .
وصيغة النهي وضعت لتدل على طلب الكف عن الفعل جزما .
هي يقتضي النية الفور والتحريم :
ذهب البعض إلى أن النهي لا يدل بصيغته على الفور والتكرار ، لأن طبيعته لا تستلزم ذلك .
وذهب البعض : إلى أن النهي في أصله يفيد الفور والتكرار، تكرار الكف ،يقتضي ترك الفعل فورا ، نهي الشارع عن شيء فعلي المكلف الكف عنه حالا ودائما .
هل يقتضي النهي فساد المنهي عنه ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة وخلاصة أقوالهم فيما يلي :
أولا : إذا أنصب النهي على ما يؤثر في حقيقة الفعل وكيانه الشرعي ، كما لو ورد النهي بيع الجنين في بطن .
هذا يقتضي فساد المنهي عنه وبطلانه واعتباره كأن لم يكن . هو ما يعبر عنه بعض العلماء بقولهم : هو ما نهي عنه الشارع لعينه ، أي : لذات الفعل أو لجزئه .
ثانيا : إذا كان النهي غير متوجه إلى ذات الشيء ، وإنما إلى أمر مقارن أو مجاور له ولكنه غير لازم ، كالنهي عن البيع وقت الأذان لصلاة الجمعة ، فإن أثر النهي هنا , هو كراهة الفعل ، لا فساده وبطلانه .
ثالثا : إذا كان النهي ، فحقيقته ، يلاقي بعض أوصاف الفعل اللازمة له ، أي : بعض وجوده ، ولا يتجه إلى ذات الفعل وحقيقته ، في النهي عن البيع بثمن اجل مع جهالة الأجل ،وكالصوم في يوم فالجمهور يذهبون إلى فساد الفعل وبطلانه ، والحنفية يفصلون ، فيقولون بفساد وبطلان الفعل إن كان من العبادات ، وبالفساد لا البطلان إن كان من المعاملات .
فالفاسد هو الباطل عندهم في العبادات . أما المعاملات فأثارها تتوقف على أركانها وشروطها ، فإذا تحققت هذه الأركان فقد وجد الشيء ، ويثبت له كيانه ، إلا أن هذا الكيان قد يكون كاملا إذا وجدت أوصافه كافة ، وفي هذه الحالة يكون صحيحا ، وقد يكون كيانه مختلا ، مع وجوده ، لفوات بعض أوصافه ، وفي هذه الحالة قد تتحقق به مصلحة. وهذا هو الفاسد ، فهو مرتبة بين الباطل والصحيح .
وخلاصة الأمر ومما يستدل به قوله صلى الله عليه وسلم : ( كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد ) والمنهي عنه ليس أمرنا فهو رد ، وما كان مردودا فهو باطل ، وهذا هو المراد بكون النهي مقتضيا للفساد .
المطلب الثاني
ــــــــــــــــــــــــ
الــعـــام
تعريف العام :
العام في اللغة : الشامل المتعدد .
وفي الاصطلاح : لفظ يستغرق جميع ما يصلح له ، بوضع واحد دفعة واحدة من غير حصر .
ألفاظ العموم :
الألفاظ الدالة على العموم كثيرة ، من أشهرها ما يلي :
أولا : لفظ ( كل وجميع ) وهما يفيدان العموم فيما يضافان إليه . قال تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت ) .
ثانيا : الجمع المعرف بأل للاستغراق ، أو بالإضافة .
فمن الأول : قوله تعالى : ( إن الله يحب المحسنين ) .
ومن المعروف بالإضافة : قوله تعالى : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) .
ثالثا : المفرد المعروف بأل المفيدة للاستغراق، مثل قوله تعالى : ( والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر ) ، فلفظ ( الإنسان ) هنا يشمل جميع أفراد الإنسان .
رابعا : المفرد المعرف بالإضافة :
مثل قوله تعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) .
خامسا : الأسماء الموصولة كما في قوله تعالى : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) ، فكلمة ( ما ) تشمل كل ما عدا المحرمات المذكورة قبل هذه الآية .
سادسا : أسماء الاستفهام ، مثل ( من ) كقوله تعالى : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) .
سابعا : أسماء الشرط ، مثل : من، وما ، وأين . مثل قوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) ، ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله ) .
ثامنا : النكرة الواردة في سياق النفي أو النهي ، مثل قوله تعالى ( ولاتصل على أحد منهم مات أبدا ) .
دخول الإناث في خطاب الذكور : ذهب الجمهور إلى الاختصاص ، فلا يدخل النساء فيما هو للذكور إلا بدليل ، كما لا يدخل فيما هو المساء إلا بدليل ، لأن الأسماء وضعت الدلالة على مسمياتها ، ولكن قد تقوم قرائن تقتضي دخول الإناث في جمع المذكر ، كما في قرينة عموم التشريع للجميع ، وقد لا تقوم قرينة ومع ذلك تلحق الإناث بالذكور سبيل التغليب ، كما في قوله تعالى : ( قلنا اهبطوا منها جميعا ) .
وقال البعض : إن جموع المذكر تشمل الإناث بالوضع .
أقل الجمع : اختلف العلماء في اقل الجمع : هل هو اثنان أو ثلاثة ؟ قال الجمهور : إنه اثنان ، وعلى هذا يصح إطلاق لفظ الجمع على الاثنين على وجه الحقيقة لا المجاز . وهو القول الراجح .
دخول النبي صلى الله عليه وسلم في خطاب أمته :
هل يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في عموم الخطابات القرآنية ، مثل : (يا أيها الذين امنوا ) ، ( يا أيها الناس ) ، ( يا عبادي ) ؟ قال الجمهور بالإيجاب ، فلا يخرج منها إلا بدليل .
تخصيص العام :
فالتخصيص ، هو قصر العام على بعض مسمياته ، أي : أفراده ، والدليل الذي دل عليه يسمى ( المخصص) .
والجمهور قد يكون التخصيص عندهم بدليل مستقل أو غير مستقل ، مقارن للنص العام أو غير مقارن له ، ولكن بشرط أن لا يتأخر وروده عن وقت العمل به ، وإلا عد ناسخا لا مخصصا .
دليل التخصيص :
أدلة تخصيص العام نوعان : متصل ، ومنفصل ، أما المتصل : فهو ما لا يستقل بنفسه ، بل يكون مذكورا مع العام ، ويتعلق معناه باللفظ الذي قبله ، ويكون جزءا من الكلام الذي اشتمل على اللفظ العام ، أما المنفصل : فهو ما يستقل بنفسه ولا يكون جزاء من الكلام الذي اشتمل على اللفظ العام .
المخصص المنفصل ، المستقل :
وهو أربعة أنواع :
الأول : الكلام المستقل المتصل بالعام .
الثاني : الكلام المستقل المنفصل عن العام .
الثالث : العقل .
الرابع : العرف .
أولا : الكلام المستقل المتصل بالعام :
ومعنى ( مستقل ) أي : تام بنفسه ، ومثاله قوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه )فالعموم الوارد فيه يشمل كل من حضر شهر الصوم ، فيجب عليه صيامه ، ولكن خص هذا العموم بمن عدا المريض والمسافر بدليل ما جاء بعده من كلام مستقل متصل به . ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) .
ثانيا : الكلام المستقل المنفصل :
وهو الكلام التام بنفسه ، ولكنه غير موصول بالنص الوارد فيه اللفظ العام ومثاله : قوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) ، فلفظ المطلقات عام يشمل كل مطلقه ، مدخول بها أو غير مدخول بها ، ولكن هذا العموم خص بالمطلقات الدخول بهن ، وبقوله تعالى وهو المخصص هنا : ( يا أيها الذين امنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) .
ثالثا : الــعــقــل :
جميع النصوص المشتملة على تكليفات شرعية ، بقصرها على من هم أهل للتكليف دون غيرهم من صغار ومجانين ، وقد أيد الشرع دليل العقل . فجعل مناط التكليف البلوغ مع العقل .
ومثال التخصيص بالعقل ، قوله تعالى : ( أقيموا الصلاة ) .
رابعا : الـعــرف :
وهو يصلح أن يكون مخصصا للفظ العام ، قال القرافي : وعندنا العوائد مخصصه للعموم ، ومن أمثلة تخصيص العموم بالعرف ما قالوه في قوله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) ، إنه خص بغير الوالدات اللاتي ليس من عادتهم إرضاع أولادهن .
المخصص المتصل ، أي غير المستقل :
وهو كلام غير تام بنفسه ، وهو أنواع :
أولا : الاستثناء
الاستثناء : هو عبارة عن لفظ متصل بجمله ، وهذا اللفظ لا يستقل بنفسه . ومن صيغ الاستثناء : إلا ، وغير ، وعدا ، وما عدا ، وما خلا ،وليس ، ونحوهما .
ويشترط لصحة الاستثناء أن يكون متصلا بالمستثنى منه من غير تخلل فاصل بينهما ، أو ما هو في حكم المتصل .
ومثاله أيضا : قوله تعالى : ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمان ) ، الاستثناء هنا قصر ( من كفر ) وهو لفظ عام ، على من كفر باختباره ورضاه، أما من كفر مكروهاا فلا يكون كافرا .
أن الاستثناء إذا ورد بعد جمل متعاطفة فإنه يعود إلى الجميع ما لم يخصه دليل ، وذهب البعض إلى أن الاستثناء إذا ورد بعد جمل متعاطفة فإنه يعود إلى الجميع ما لم يخصه دليل ، وذهب البعض إلى أن الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة ، إلا أن يقوم الدليل على التعميم ، ومن أمثلة ذلك : قوله تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون (4) إلا الذين تابوا ..... ) فإن الاستثناء راجع إلى الفاسقين ، لا إلى الجلد .
ثانيا : الصــفــة :
والمقصود بها هنا الصفة المعنوية كقوله تعالى : ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخت وأمهاتكم الأتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن)،فتحريم الربائب مقصور على بنات الزوجات المدخول بهن ، هذا وإذا وردت الصفة بعد جمل ،فالكلام في عود الصفة إلى الجملة ، الأخيرة أو إلى جميع الجمل .
ثالثا : الــشـــــرط :
وهو ، ما لا يوجد المشروط دونهه ، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده ، وصيغه كثيرة منها : إن الشرطية،وإذا، ومن ، ومهما ، وحيثما ، وأينما ، مثل قوله تعالى : ( فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف ) ، فنفي الجناح ، وهو عان لأنه نكرة في سياق النفي – مشروط بالشرط المذكورر في الآية ، أي : إن نفي الجناح مقصور على هذه الحالة .
رابعا : الــغـــايــة :
وهي نهاية الشيء المقتضية لثبوت الحكم لما قبلها وانتقائه عما بعدها ، وصيغها : إلى ، وحتى ،ولابد أن يكون حكم ما بعدها مخالفا لما قبلها ، وهي أن تكون مذكوره عقب جملة واحدة كان ذلك دالا على إخراج ما بعد الغاية من عموم اللفظ ، واختصاص ما قبلها بالحكم ، مثل قولنا : ( انفق على طلاب الكلية إلى أن تخرجوا )، وإن كانت الغاية متعددة وهي عقب جملة واحدة ، فإن كانت الغاية على الجمع ، أي ورودها بواو العطف ، فالحكم مختص بما قبل إحدى قبل إحدى الغايتين ، مثل : انفق على طلاب الكلية إلى أن يتخرجوا ، ويسافروا إلى بلادهم . فالحكم مختص ومقصور على الطلاب قبل تخرجهم وسفرهم .
دلالة العــــام :
العام يدل على أفراد على سبيل الاستغراق ، ولكن العلماء اختلفوا دلالته على هذا الشمول ، أهي قطعية أم ظنية ؟
فذهب بعضهم ، ومنه الحنفية ، إلى أن دلالته على أفراده قطعية ما لم يخصص .
وقال الجمهور : إن دلالة العام على شمول جميع أفراده دلالة ظنية لا قطعية قبل التخصص وبعدهم .
أنواع الــعــــام :
العام ثلاثة أقسام : الأول : عام دلالته على العموم قطعية . مثل قوله تعالى : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) .
الثاني : عام يراد به الخصوص قطعا لقيام الدليل على أن المراد بهذا العام بعض أفراده لا كلهم ، مثل قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا).
الثالث : عام مخصوص ، وهو العام المطلق الذي لم تصبحه قرينة تنفي احتمال تخصيصه ولا قرينة تنفي دلالته على العموم ، مثل قوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) .
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب : اشتهر على ألسنة الأصوليين والفقهاء، قولهم : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أي أن العام يبقى على عمومه وإن كان وروده بسبب خاص كسؤال أو واقعة معينة ، فالعبرة بالنصوص وما اشتملت عليه من أحكام ، وليست العبرة بالأسباب التي دعت إلى مجيء هذه النصوص .
ومثال ذلك :
أولا : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عشطنا فنتوضأ بماء البحر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم ( هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته ) فقوله : ( الطهور ماؤه ) عام حال السعة والاضطرار ، ولا عبرة بخصوص السؤال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق