تعريف أصول الفقه باعتباره مركبا إضافيا ..
الأصول : جمع أصل ، وهو في اللغة : ما يبنى عليه
غيره ، سواء أكان الابتداء حسيا أو عقليا ، وفي عرف العلماء واستعمالاتها ، يراد بكلمه ( الأصل )
غيره ، سواء أكان الابتداء حسيا أو عقليا ، وفي عرف العلماء واستعمالاتها ، يراد بكلمه ( الأصل )
عدة معان منها :
أ- الدليل : فيقال أصل هذه المسألة الإجماع ، أي :دليلها الإجماع ، وبهذا المعنى قيل : أصول الفقه ، أي : أدلته ، لأن الفقه ينبني على الأدلة أبتناء عقليا .
ب- الراجح : مثل قولهم : الأصل في الكلام الحقيقة ، أي : الراجح في الكلام ،حمله على الحقيقة ، لا المجاز ، ومنه : الكتاب أصل بالنسبة إلى القياس ، أي : الراجح هو الكتاب .
ت- القاعدة : فيقال : إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل ، أي : على خلاف القاعدة العامة ،وقولهم : الأصل أن الفاعل مرفوع ،أي : أن القاعدة العامة المستمرة : هي رفع الفاعل .
ث- المستصحب : فيقال : الأصل براءة الذمة أي : يستصحب خلو الذمة من الانشغال بشئ حتى يثبت خلافه . أما ( الفقه ) , فهو في اللغة : العلم بالشئ والفهم له ، ولكن استعماله في القران الكريم يرشد إلى أن المراد منه ليس مطلق العلم ، بل دقه الفهم ، ولطف الإدراك ، ومعرفة غرض المتكلم ، ومنه قوله تعالى : (قالوا ياشعيب ما نفقة كثيرا مما تقول ) أما الفقه في اصطلاح العلماء : فهو ( العلم بالأحكام الشرعية العلمية المكتسبة من أدلتها التفصيلية ، أو هو هذه الأحكام نفسها . والأحكام : جمع حكم ، وهو إثبات أمر لأخر ، إيجاد أو سلبا، مثل قولنا : الشمس مشرقه أو غير مشرقه . والمراد باالاحكام هنا : مايثبت لأفعال المكلفين من وجوب، اوندب ، أو حرمه ، أو كراهة، أو أباحه ، أو أفساد ،اوبطلان. وقيدت الأحكام بكونها شرعيه ، للدلالة على أنها منسوبه إلى الشرع ، أي : متعلقة بأفعال المكلفين كصلاتهم ، وبيوعهم ، وأشربتهم . ويشترط في هذه الأحكام الشرعية العملية أن تكون مكتسبه ، أي : مستفادة من الأدلة التفصيلية : هي الأدلة الجزئية التي يتعلق كل منها بمسألة خاصة ، وينص على حكم معين لها ، مثل : أ- قوله تعالى : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) ، فهذا دليل تفصيلي، أي : دليل جزئي يتعلق بمسألة خاصة : وهي نكاح الأمهات ، ويدلل على حكم معين ، هو حرمه نكاح الأمهات . أما تعريفه أللقبي ، أي باعتبار لقبا على علمم مخصوص : فهو العلم بالقواعد والادله الاجماليه ، التي يتوصل بها إلى استنباط الفقه . والقواعد : قضايا كليه ينطبق حكمها على الجزئيات التي تندرج تحتها ، فتعرف بها حكم هذه الجزئيات، ومن أمثله ذلك . أما الأدلة الإجمالية : فهي مصادر الأحكام الشرعية ، كالكتاب والسنة والإجماع والقياس ، والعلم بها يكون من حيث العلم بحجيتها ومنزلتها في الاستدلال بها .
الغرض من دراسة أصول الفقه ومدى الحاجة إليه ..
أن الغرض من وضع أصول الفقه ، هو الوصول إلى الأحكام الشرعية العملية ، بوضع القواعد والمناهج الموصلة إليها .
فالفقه والأصول : يتفقان على أن غرضهما التوصل إلى الأحكام الشرعية ، إلى ان الأصول : تبين مناهج الوصول وطرق الاستنباط ، والفقه : بستنبط الأحكام فعلا على ضوء المناهج التي رسمها علم الأصول ، وبتطبيق القواعد التي قررها أن المعنى بالأحكام الشرعية لا غنى له عن هذا العلم ، فإن المعنى بالقوانين الوضعية ، من محام أو قاض أو مدرس ، يحتاج هو الأخر إلى هذا العلم ،لان القواعد والأصول التي قررها علم الأصول ، مثل : القياس وأصوله، والقواعد الأصولية ، لتفسير النصوص ، وطرق دلالة الألفاظ والعبارات على معانيها ، ووجوه هذه الادله ، قواعد الترجيح بينن الأدلة، كل ذلك وغيره تلزم الإحاطة به من قبل من يتصدى للقوانين الوضعية ، ويريد الوصول إلى تفسيرها ومعرفة ما انطوت عليه من أحكام .
نشأة علم أصول الفقه :
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ما كانت هناك حاجه للكلام عن قواعد هذا العلم فضلا عن تدوينه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو مرجع الفتيا وبيان الأحكام .
وبعد وفاة النبي الكريم ظهرت وقائع وأحداث كان لابد من مواجهتها بالاجتهاد واستنباط أحكامها من الكتاب والسنة .
وكان نهج الصحابة في الاستنباط :
انهم كانوا إذا وردت عليهم الواقعة التمسوا كتاب الله ، فإن لم يجدوا الحكم فيه رجعوا إلى السنه ، فإن لم يجدوه في السنه اجتهدوا في ضوء ما عرفوا من مقاصد الشريعة ، ولم يجدوا عسرا في الاجتهاد ، ولا حاجه لتدوين لقواعده ،وقد ساعدهم على ذلك ما كان عندهم من ذوق فقهي اكتسبوه من طول صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وملازمتهم له .
وهكذا انقضى عصر الصحابة ولم تدون قواعد هذا العلم ، وكذلك فعل التابعون ، فقد ساروا على نهج الصحابة في الاستنباط .
إلا أنه بعد انقراض عصر التابعين اتسعت البلاد الإسلامية ، وجدت حوادث ووقائع كثيرة ،واختلط العجم بالعرب ، وكثر الاجتهاد والمجتهدون ، وتعددت طرقهم في الاستنباط ، واتسع النقاش والجدل ، وكثرة الاشتباهات والاحتمالات، فكان من أجل ذلك كله أن أحس الفقهاء بالحاجة إلى وضع قواعد وأصول وضوابط للاجتهاد ، يرجع إليها المجتهدون عند الاختلاف ، وتكون موازين للفقه وللرأي الصواب .
وقد قيل : إن أول من كتب في أصول الفقه هو أبو سيف ،صاحب أبي حنيفة ، ولكن لم يصل إلينا شئ من كتبه .
والشائع عند العلماء : أن أول من دون هذا العلم ، وكتب فيه بصوره مستقلة ، هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 304هـ .
فقد ألف فيه رسالته الأصولية المشهورة ، وتكلم فيها عن القران ، وبيانه للأحكام ، وبيان السنه للقران ، والإجماع والقياس ، والناسخ والمنسوخ ، والأمر و النهي ، الاحتجاج بخبر الواحد ، ونحو ذلك من الأبحاث الأصولية .
وكان نهجه في هذه الرسالة يتسم بالدقة ، والعمق ، إقامة الدليل على ما يقول ، ومناقشة أراء المخالف بأسلوب علمي رائع رصين .
وبعد الشافعي ، كتب أحمد ابن حنبل كتابا في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأخر في الناسخ والمنسوخ ، وثالثا في العلل , ثم تتابع العلماء في كتابته .
مسالك العلماء في بحث أصول الفقه :
ولم يسلك العلماء في أبحاث أصول الفقه طريقا واحدا ، فمنهم من سلك مسلك تقرير القواعد الأصولية ‘ مدعومة بالأدلة والبراهين ، فهو اتجاه نظري ، غايته : تقرير قواعد هذا العلم كما يدل عليها الدليل ، وجعلها موازين لضبط الاستدلال، وحاكمة على اجتهادات المجتهدين ، وهذا المسلك عرف بمسلك المتكلمين ، أو طريقة المتكلمين ، اتبعته المعتزلة والشافعية والمالكية ، كما اتبعته علماء الجعفرية .
وتمتاز هذه الطريقة – طريقة المتكلمين – بالجنوح إلى الاستدلال العقلي ، وعدم التعصب للمذاهب .
ومن العلماء من سلك مسلكا أخر ، يقوم على تقرير القواعد الأصولية على مقتضى ما نقل عن الأئمة من فروع فقهيه .وعرفت هذه الطريقة بطريقة الحنفية .
ويمتاز هذا المسلك بالطابع العلمي ، فهو دراسة عمليه تطبيقيه للفروع الفقهية المنقولة عن أئمة المذهب ، واستخراج القوانين ، والقواعد والضوابط الأصولية، التي لاحظها واعتبرها أولئك الأئمة في استنباطهم .
وقد وجدت طريقة ثالثه في البحث ، تقوم على الجمع بين الطريقتين ، فتعني بتقرير القواعد الأصولية المجردة التي يسندها الدليل، لتكون موازين الاستنباط ، وحاكمة على كل رأي واجتهاد ، مع التفات إلى المنقول عن الأئمة من الفروع الفقهية ، وبيان الأصول التي قامت عليها تلك الفروع .
وقد اتبع هذه الطريقة علماء من مختلف المذاهب :كالشافعية ، والمالكية ، والحنابلة ، والجعفرية ، والحنفية .
أقسام الحكم الشرعي :
ينقسم الحكم عند الأصوليين إلى قسمين :
الأول: الحكم التكليفي : وهو ما يقتضي طلب الفعل ، أوالكف عنه ، أو التخيير بين الفعل والترك .
وإنما سمي هذا النوع بالحكم التكليفي : لأن فيه كلفه على الإنسان ، وهذا ظاهر فيما طلب فيه الفعل أو الترك ، أما مافيه تخيير فقد جعل أيضا من الحكم التكليفي على سبيل التسامح والتغليب ، أو الاصطلاح .
الثاني : الحكم الوضعي : وهو مايقتضي جعل شئ لشي أخر ، أو شرطا أو مانعا منه، وسمي هذا النوع بالحكم الوضعي : لأنه ربط شيئين بالسببية ، أو الشرطية ، أو المانعة بوضع من الشارع .
أقسام الحكم التكليفي :
يقسم معظم الأصوليين ، الحكم التكليفي إلى خمسة قسام ، وهي :
أولا: الإيجاب : وهو طلب الشارع الفعل على سبيل ألحتم والإلزام ، وأثره في فعل المكلف ، الوجوب ، والفعل المطلوب على هذه الوجوه : هو الواجب .
ثانيا : الندب : وهو طلب الشارع الفعل على سبيل الترجيح لا الإلزام ، وأثره في فعل المكلف : الندب أيضا ، والفعل المطلوب على هذه الصفة : هو المندوب .
ثالثا : التحريم : وهو طلب الشارع الكف عن الفعل على سبيل الجزم والإلزام وأثره في فعل المكلف الحرمة ، والفعل المطلوب تركه : هو الحرام أو المحرم .
رابعا: الكراهة : وهي طلب الشارع الكف عن الفعل على سبيل الترجيح لا ألحتم والإلزام وأثره في فعل المكلف : الكراهة أيضا .
الــــواجـــــــــب :
الواجب شرعا : هو ماطلب الشارع فعله على وجه اللزوم ، بحيث يذم تاركه ومع الذم العقاب ، ويمدح فاعله ومع المدح والثواب .
وتحت الفعل أولزومه ، أو من ترتيب العقاب على ترك الفعل ، فإقامة الصلاة ، وبر الوالدين .
والواجب : هو الفرض عند الجمهور .
أما الحنفية فإنهم يفرقون بينهما من جهة الدليل الذي ثبت به لزوم الفعل ، فإذا كان الدليل ظنيا لا قطعيا : كخبرالاحاد الثابت به وجوب الاضحيه ، فالفعل هو الواجب ، وإذا كان الدليل قطعيا لاظنيا كنصوص القران في لزوم الصلاة على المكلف ، فالفعل هو الفرض .
اقساام الواجب:
يقسم الواجب إلى أقسام متعددة : باعتبارات مختلفة ، فهناك تقسيم له : باعتبار وقت أدائه ،وأخر :باعتبار تقديره وعدم تقديره ، وثالث :باعتبار تعيينه عدم تعيينه ، ورابع : باعتبار المطالب بأدائه .
وهذه التقسيمات هي :
الواجب بالنظر إلى وقت أدائه :
واجب مطلق ، وواجب مفيد
فالواجب المطلق : هو ماطلب الشارع فعله ، دون أن يفيد أداوه، بوقت معين فللمكلف أن يفعله في أي وقت شاء، وتبرا ذمته بهذا الأداء .
ومن هذا النوع : قضاء رمضان لمن افطر بعذر مشروع فله أن يقضيه متى شاء .
والواجب المقيد : هو ما طلب الشارع فعله وعين أدائه وقتا محددا :: كالصلوات الخمس ، وصوم رمضان ،فلا يجوز أداؤه قبل وقته المحدد ، ويأثم بتأخيره بعد
وقت من غير عذر مشروع ،فالإلزام في الواجب المقيد : منصب على الفعل وعلى وقت معين .
والإلزام في الواجب المطلق : منصب على الفعل فقط ، دون وقت معين .
الواجب بالنظر إلى تقديره وعدم تقديره:
ينقسم الواجب باعتبار المقدار المطلوب منه إلى : واجب محدد، وواجب غير محدد.
فلواجب المحدد : هو ماعين الشارع منه مقدارا محددا : كالزكاة، وأثمان المشتريات ونحو ذلك .
وهذا النوع يتعلق بالذمة ، ولا تبرا ذمه المكلف منه إلا بأدائه على الوجه الذي حدده الشارع ، وثبت في ذمته .
والواجب غير المحدد : هو الذي لم يحدد الشارع مقداره : كالإنفاق في سبيل ، فهذا ليس له حد محدود ، وإنما يتحدد بمقدار حاجه المحتاج وقدرة المنفق .
وهذا النوع من الواجب لا يثبت دنيا في الذمة .: لأن الشأن فيما يثبت في الذمة ان يكون محددا ، وعلى هذا لا تثبت النفقة للزوجة في ذمة الزوج قبل الحكم بها ، أو التراضي عليها عند بعض الفقهاء .
الواجب بالنظر إلى تعين المطلوب وعدم تعينه :
وهو بهذا الاعتبار: واجب معين ، وواجب غير معين .
فالواجب المعين : هو ما طلبه الشارع بعينه من غير تخيير للمكلف بين أمور مختلفة : كالصلاة والصيام ورد المغضوب إن كان قائما ، وحكم هذا النوع عدم براءة الذمة إلا بفعله بعينه .
والواجب غير المعين : هو ما طلبه الشارع لا بعينه ، ولكن ضمن أمر معلومة ، وللمكلف أن يختار واحدا منها لأداه هذا الواجب .
وقد يكون هذا الواجب واحدا من اثنين ، وللمكلف أن يختار أحدهما ، كما في قوله تعالى في أسرى الحرب : ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ) فلإمام أن يمن على الأسرى ، أو يفاديهم بغيرهم .
وقد يكون الواجب غير المعين واحدا من ثلاثة أمور ، ومثله : كفاره اليمين ، فإن الواجب فيها على الحانث واحد من ثلاثة أشياء : إطعام عشره مساكين ، أو كسوتهم، أو عتق رقبة ، وهذا عند الاستطاعة والمقدرة ، أما عند عدمها فالواجب معين : وهو صيام ثلاثة أيام ، وسمى بعض هذا الواجب : بالواجب المخير ، لأن فيه تخييرا للمكلف .
الواجب بالنظر إلى المطالب به :
الواجب بهذا الاعتبار : واجب عيني ، وواجب على الكفاية .
فالواجب العيني : هو ما توجه فيه الطلب اللازم إلى كل مكلف ، أي : هو ما طلب الشارع حصوله من كل واحد من المكلفين ، فلا يكفي فيه قيام البعض دون البعض الأخر ، ولا تبرا ذمة المكلف منه إلا بأدائه ، ومن ثم يأثم تاركه ويلحقه العقاب ، ولا يغني عنه قيام غيره به . ومثاله : الصلاة والصيام .
والواجب على كفاية ،أو الكفائي : هو ماطلب الشارع حصوله من الجماعة المكلفين لا من كل فرد منهم ، لأن مقصود الشارع حصوله في جماعه ، أي إيجاد الفعل لا ابتلاء المكلف ، فإذا فعله البعض سقط الفرض عن الباقين .
ومن أمثلة الواجب الكفائي : الجهاد والقضاء ، والإفتاء ، والتفقه في الدين ، وأداء الشهادة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر. لأن فروض الكفاية تهدف غالبا إلى مصلحة عامه للأمة .
قال الإمام الشافعي في الفرض الكفائي : ( ولو ضيعوا معا ، خفت أن لا يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم )
وقد يصير الواجب الكفائي واجبا عينيا ، كما في الاجتهاد : إذا لم يحصل المقصود به ، صار فرضا عينيا على كل مكلف قادرا على محاربة العدو بأي نوع من أنواع المحاربة .
المندوب :
الندب : الدعاء إلى الأمر المهم ، والمندوب : المدعو إليه .
وفي الاصطلاح : هو ما طلب الشارع فعله من غير إلزام ، بحيث يمدح فاعله ويثاب ، ولا يذم تاركه ولا يعاقب .
ويدل على كون الفعل مندوبا صيغة الطلب ، إذا اقترن بها ما يدل على إرادة الندب لا الإلزام ، سواء كانت هذه القرينة نصا أو غيره .
فقوله تعالى : ( يا أيها الذين امنوا إذا تداينتم بدين إلى أجمل مسمى فاكتبوه ) لا يدل هذا الطلب على ألحتم والإلزام ،بقرينه ما ورد في سياق الايه وهو قوله تعالى :
( فإن أمن بعضكم بعضا فليود الذي اؤتمن أمانته ) فهذا النص يدل على أن طلب كتابة الدين : إنما يراد به الندب لا اللزوم ، فهو من قبيل الإرشاد للعباد لما يحفظون به حقوقهم من الضياع ، فإذا لم يأخذوا بهذا الإرشاد تحملوا هم نتيجة إهمالهم .
والمندوب ، أيضا : السنه ، والنافلة ، والمستحب ، والتطوع ، والإحسان ، والفضيلة، وكلها ألفاظ متقاربة المعنى تشير إلى معنى المندوب : وهو كونه راجح الفعل من غير إلزام . والمندوب على مراتب :
فأعلاها : ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يتركه إلا نادرا ، ومنه : صلاة ركعتين قبل فريضة الفجر ، فهذا تسمى : سنه مؤكده ، يلام تاركها ، ولا يعاقب .
ويلي هذه المرتبة ، مايسمى : بالسنة غير المؤكدة ، وهي التي لم يداوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، أربع ركعات قبل الظهر .
وتلي هذه المرتبة من المندوب ، مايسمى بالفضيلة والأدب وسنة الزوائد ، كالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في شؤونه الاعتيادية التي صدرت من بصفته إنسانا ، كآداب الأكل والشرب والنوم فالاقتداء به عليه الصلاة والسلام في هذه الأمور مستحب . ولكن تاركها لا يستحق لوما .
ويلاحظ هنا أمران :
الأول: إن المندوب بجملته يعتبر كمقدمة للواجب ، ويذكر به ويسهل عليه المكلف أداءه ،لأن المكلف بأدائه المندوبات ودوامه عليه ، يسهل عليه أداء الوجبات ويعتادها، وفي هذا يقول الإمام الشاطبي : ( المندوب إذا اعتبره أعم ، وجدته خادما للواجب ، لأنه إما مقدمه له ، أو تذكار به سواء أكان من جنسه واجب أم لا ) .
الثاني : إن المندوب ، ان كان غير لازم باعتبار جزئه ، إلا أنه لازم بأعتبار الكل ، بمعنى لايصح للمكلف ان يترك المندوبات جمله واحده ، فهذا قادح في عدالته ، ويستحق عليه التأديب والزجر .
فالأذان وصلاة الجماعة وصدقة التطوع وسنه الفجر ، كلها مندوبه من حيث الجزاء ، لازمه من حيث الكل ، فلا يصح تركها جمله .
فترك ، لازمه من حيث الكل ، فلا يصح تركها جمله .
فترك المندوبات كلها مؤثر في أوضاع الدين ، إذا كان الترك ، أما إذا كان في بعض الأوقات فلا تأثير له .
الحرام والحرام :
الحرام : هو ما يطلب الشارع الكف عنه على وجه الحتم والإلزام ، فيكون تاركه مأجور مطيعا ، وفاعله إثما عاصيا ، سواء كان دليله قطعيا لا شبه فيه : كحرمه الزاني ، أم كان ظنيا : المحرمات بالسنة الاحاديه.
ويستفاد التحريم من استعمال لفظ يدل التحريم بمادته : كلفظ الحرمة ، أو نفي الحل ، كقوله تعالى: ( حرمت عليكم أمهاتكم ) وقوله صلى الله عليه وسلم : (لايحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه ) .
أويستفاد التحريم من صيغة النهي المقترنة بما يدل على الحتم ، أومن ترتيب العقوبة على الفعل .
فمن الأول : قوله تعالى :( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوقول الزور ) .
ومن الثاني :قوله تعالى :( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فأجلدوهم ثمانين جلده ) .
أقسام الحرام :
إن الشارع لم يحرم شيئا إلا لمفسدته الخالصة أو الغالبة ، وهذه المفسدة إما إن ترجع إلى ذات الفعل المحرم وهذا هو المحرم لذاته أو لعينه ، وإما أن ترجع لا إلى ذات الفعل بل إلى أمر اتصل به ، وهذا هو المحرم لغيره .
فالمحرمة لذاته : هو ما حرمه الشارع ابتداء لما فيه من الأضرار والمفاسد الذاتية التي لا تنفك عنه : كا الزنى ، وتزوج المحارم . ونحو ذلك مما حرم لذاته وعينه .
وحكم هذا النوع : أنه غير مشروع أصلا ، ولا يحل للمكلف فعله ، وإذا فعله لحقه الذم والعقاب ، ولا يصلح أن يكون سببا شرعيا تترتب عليه أحكامه ،وإذا كان محلا للعقد بطل العقد ، ولم يترتب عليه أثره الشرعي .
وعقد النكاح إذا كان محله أحد المحارم مع العلم بذلك ، كان العقد باطلا ، ولم يترتب عليه شئ مما يترتب عليه عقد النكاح الصحيح :من ثبوت النسب والتوارت والحقوق بين الطرفين والحل بينهما بل يعتبر الدخول زنى .
ولكن قد يباح بعض أنواع المحرم لذاته عند الضرورة . فالميتة يحل أكلها عند خوف الهلاك .
المحرم لغيره :
وهو ما كان مشروعا في الأصل ، إذ لا ضرر فيه ولا مفسده ، أو أن منفعته هي الغالبة، ولكنه اقترن بما اقتضى تحريه : كالصلاة في الأرض المغصوبة ، والبيع وقت نداء الجمعة .
فالصلاة بذاتها مشروعه ، فهي واجبه ،ولكن لما اتصل بها محرم وهو لغصب جاء النهي عن الصلاة قي الأرض المغصوبة .
وحكم هذا النوع من المحرم يقوم على أساس نظرتنا إليه ،فالمحرم لغيره مشروع ومن جهة أصله وذاته ، وغير مشروع من جهة ما اتصل به من أمر محرم .
فمن الفقهاء من غلب جهة مشروعه أصله على حرمه ما اتصل به فقال :إنه يصلح سبب شرعي ، وتترتب عليه أثاره ، وإن كان منهيا عنه باعتبار ما اتصل به ، ولهذا يلحق فاعله الإثم من هذه الجهة لا من جهة تانيه الفعل نفسه .
وعلى هذا النظر تكون الصلاة في الأرض المغصوبة صحيحة مجزئه ، وتبرأ ذمه المكلف منها وهو إثم بالغضب ، والبيع وقت النداء صحيح مع الإثم ، الإيقاعي في هذا الوقت وهكذا .
ومن الفقهاء من غلب جهة فساد ما اتصل بالفعل على مشروعية أصله فقال بفساد الفعل ، وعدم ترتب أثره الشرعي عليه ، ولحقوق الإثم بفاعله،لأن جهة الفساد في نظرهم لاتبقى أثرا لمشروعيته أصله .
وعلى هذا الأساس قال هذا الفريق من الفقهاء ببطلان الصلاة في الأرض المغصوبة.
المكروه :
المكروه : هو ما كان تركه أولى من فعله ، أو هو ماطلب الشارع من المكلف تركه ، لا على وجه الحتم والإلزام كما لو كانت الصيغة بنفسها دالة على الكراهة ، أو كانت الصيغة من صيغة النهي ، وقامت القرينة على صرفها من التحريم إلى الكراهة .
فمن الأولى : قوله على السلام : ( إن الله يكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ) .
ومن الثاني : قوله تعالى : ( يا أيها الذين امنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوكم) والقرينة الصارفة عن التحريم إلى الكراهة، ما جاء بنفس الايه وهو قوله تعالى :(وإن تسألوا عنها حين ينزل القران تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم ) .
وحكم المكروه : أن فاعله لا يأثم ، وإن كان ملوما ، وان تاركه يمدح ويثاب ، إذا كان تركه الله .
والمكروه هو على رأي الجمهور واصطلاحهم ، واحد وهو ما ذكر .
أما الحنفية ، فعندهم المكروه نوعان :
الأول : المكروه تحريما : وهو ماطلب الشارع من المكلف الكف عنه حتما بدليل منهما بخبر الآحاد ، وهو دليل ظني .
وحكمه حكم المحرم عند الجمهور ،أي :يستحق فاعله العقاب إن كان لا يكفر منكره لأن دليله ظني .
الثاني : المكروه تنزيها : وهو ما طلب الشارع الكف عنه طلبا غير ملزم للمكلف ، مثل : أكل لحوم الخيل للحاجة إليها في الحروب ، والوضوء من سؤر سباع الطير وحكم هذا المكروه : أن فاعله لا يذم ولا يعاقب ، وإن كان فعله خلاف الأولى والأفضل.
المـــبـــاح :
المباح : هو ماخير الشارع المكلف بين فعله وتركه ، ولا مدح ،ولا ذم على الفعل والترك ، ويقال له : الحلال .
أ- النص من الشارع بحل الشئ ، مثل قوله تعالى : ( اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم )
ب- النص من الشارع على نفي الإثم أو النجاح أو الحرج . فمن الأول : قوله تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ) فمن الثاني : ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكنتم في أنفسكم ) . ومن الثالث : ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت أبائكم ) . ج – التعبير بصيغه الأمر مع وجود القرينة الصارفة عن الوجوب إلى الإباحة ، مثل قوله تعالى : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) ، أيي إذا تحللتم من إحرام الحج ، فالصيد مباح لكم .
د – استصحاب الإباحة الأصلية للأشياء ، بناء على أن الأصل فيها الإباحة . فالأفعال من عقود وتصرفات ، والأشياء من جماد وحيوان أو نبات ، الأصل فيها الإباحة فما لم يرد دليل من الشارع يدل على حكمها صراحة ، فحكمها الإباحة استصحابا للإباحة الأصلية .
وإن حكم المباح : انه لا ثواب فيه ولا عقاب ، ولكن قد يثاب عليه بالنية والقصد ويجب ملاحظة : ان المباح على ما فسرناه إنما هو بالنسبة للجزء، وأما بالنسبة للكل فهو إما مطلوب الفعل أو الترك ، فالإباحة تتجه إلى الجزئيات ، ولا إلى الكليات ، وإلى بعض الأوقات ، لا إلى جميع الأزمان .
ووطء الأزواج زوجاتهم : مباح ،ولكن تركه بالكلية وعلى وجه الدوام والاستمرار حرام ،ولما فيه من الإضرار بالزوجة والتفويت لمقاصد النكاح ، فالإباحة في والوطء منصبه على جزئياته ، وأوقاته ، والحرمة منصبه على تركه جمله .
العزيمة والرخصة :
العزيمة والرخص من أقسام الحكم التكليفي ، لأن الأول : اسم لم طلبه الشارع أو إباحة على وجه العموم ، والرخصة : اسم لما أباحه الشارع عند الضرورة تخفيفا عن المكلفين ودفعا للحرج عنهم ، و الأباحه من أقسام الحكم التكليفي ( وهو التعريف الاصطلاحي ) .
والعزيمة في اللغة : القصد على وجه التأكد ، ومنه قوله تعالى : ( فنسي ولم نجد له عزما) ، أي ، لم يكن من ادم عليه السلام قصد مؤكد على عصيان أمر ربه .
والرخصة في اللغة : السهولة واليسر .
أنواع الرخصة :
أولا : إباحة المحرم عند الضرورة : كالتلفظ بكلمه الكفر مع اطمئنان القلب إذا أكره على ذلك بالقتل ، قال تعالى : ( إلا من أكراه وقلبه مطمئن بالإيمان ) .
ثانيا : إباحة ترك الواجب ، مثل : الفطر في رمضان للمسافر والمريض دفعا للمشقة .
ثالثا: تصحيح بعض العقود التي يحتاجها الناس ، وإن لم تجر على القواعد العامة ، مثل : بيع السلم ، فقد أباحه الشارع الحكيم مع أنه بيع معدوم ، وبيع المعدوم باطل .
حكم الرخصه:
الأصل في الرخصة : الإباحة ، فهي تنقل الحكم الأصلي من اللزوم إلى التخير بين الفعل والترك ، لأن مبنى الرخصة ملاحظه عذرا المكلف ، ورفع المشقة عنه وقد يكون الأخذ بالعزيمة أولى من إباحة الأخذ بالرخصة ، ومن هذا النوع : إباحة إجراء لفظ الكفر على اللسان ، مع اطمئنان القلب ، عند الإكراه عليه بالقتل أو تلف العضو.
الأولى : الأخذ بالعزيمة ، لما في ذلك من إظهار الاعتزاز بالدين ، وإغاظة الكافرين ، يدل على ذلك : أن بعض أعوان مسيلمة الكذاب أخذوا رجلين مسلمين، وذهبوا بهما إليه ، فسأل أحدهما : ماتقول في محمد ؟ قال : هو رسول الله ، قال: فما تقول في ؟ قال : أنت أيضا ، فتركه ولم يمسه بسوء ، ثم سأل الأخر
عن محمد فقال : ه رسول الله ، قال ماتقول في ؟ قال أنا أصم لا اسمع ، فأعاد عليه ثلاثا ، فأعاد جوابه ،فقتله ، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ،قال: أما الأول فقد أخذه برخصة الله ،وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له .
وعمار بن ياسر نطق بكلمة الكفر ، ونال من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومدة ألهه المشركين تحت وطأة العذاب الشديد ، ولم أخبره عمار النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى ، قال له : كيف وجدت قلبك ؟ قال : مطمئنا ، فقال عليه الصلاة والسلام ، فإن عادوا فعد .
فهذا الخبر يدل على إباحة التلفظ بالكفر عند الضرورة والإكراه ، الخبر الأول يدل على ان الصبر والأخذ بعزيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولو إلى القتل وهذا هو الأول ، يدل عليه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قال كلمة حق لسلطان جائر ، فقتله .
فأمر الحاكم الظالم ونهيه مع احتمال بطشه ، أولى من السكوت عنه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، جعله قرينا لحمزة بن عبد المطلب في مرتبة الشهادة العالية .
أقسام الحكم الوضعي :
السبب:
السبب في اللغة : ما يتوصل به إلى مقصود ما .
وفي الاصطلاح : ما جعله الشرع معرفا لحكم شرعي ، بحيث يوجد هذا الحكم عند وجوده ، وينعدم عند عدمه .
وعلى هذا يمكن تعريف السبب في الاصطلاح : بأنه كل أمر جعل الشارع وجوده علامة على وجود الحكم ، وعدمه علامة على عدمه : كالزنا لوجوب الحد ، والمجنون لوجوب الحجر ، فإذا انتقى الزنا والمجنون : انتفى وجوب الحد ( العقوبة ) والحجر .
أقسام السبب :
السبب باعتباره فعلا للمكلف ، أو ليس فعلا له ، ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : سبب ليس فعلا للمكلف ولا مقدارا له ، ومع هذا إذا وجد ، وجد الحكم ، لان الشارع ربط الحكم به وجودا وعدما ، كدلوك الشمس لوجوب الصلاة ، وشهر رمضان لوجوب الصيام .
القسم الثاني : سبب هو فعل للمكلف ما في قدرته ، كالسفر لإباحة الفطر ، والقتل العمد العدوان لوجوب القصاص .
وهذا قسم من السبب، أي : ما كان فعلا للمكلف ، وننظر إليه نظرين :
الأول : باعتبار فعلا للمكلف ، فيكون داخلا في خطاب التكليف ، وتجري عليه أحكامه فيكون مطلوبا فعله ، أو مطلوب تركه ، أو مخيرا فيه .
الثاني : باعتبار مارتب عليه الشارع من أحكام أخرى ، فيعد من أقسام الحكم الوضعي .
فالنكاح يكون واجبا عند خوف الوقوع في الزنى ، والقدرة على تكاليف النكاح ، والوجوب حكم تكليفي ، ويكون سببا ، فتترتب عليه جميع الآثار الشرعية من وجوب المهر والنفقة والتوارث ، والسببية حكم وضعي .
والقتل العمد العدوان مطلوب الترك جزما ، وهذا حكم تكليفي ، وهو سبب القصاص ، وهذا حكم وضعي .
والبيع مباح وهذا حكم تكليفي ، وهو سبب لثبوت ملك البائع للثمن ، والمشتري للمبيع وهذا حكم وضعي .
وينقسم السبب أيضا ما يترتب عليه إلى قسمين :
الأول : سبب لحكم تكليفي : كالسفر لإباحة الفطر .
الثاني : سبب لحكم هو أثر لفعل المكلف : كالبيع لملك المبيع من قبل المشتري .
ربط الأسباب بالمسببات :
المسببات تترتب على أسبابها إذا وجدت هذه الأسباب ، وتحققت شرعا لترتب الأحكام عليها ، فا لقرابة سبب للإرث ، وشرطة : موت المورث ، وتحقق حياة الوارث حقيقة ، أو حكما والمانع : هو القتل العمد العدوان ، أو اختلاف الدين ، فإذا وجد السبب ، وتحققت شروطه ، وانتفت الموانع ترتب عليه أثره وهو الميراث ، وإذا انتفى الشرط ، أو وجد المانع فإن السبب لا يكون سببا منتجا أثره.
السبب والعلة :
ماجعله الشارع علامة الحكم وجودا وعدما ، إما أن يكون مؤثرا في الحكم ، بمعنى: ان العقل يدرك وجه المناسبة بينه وبين الحكم ، وأما ان تكون مناسبته للحكم خفيه لا يدركها العقل ‘ فإن كان الأول : سمي عله كما يسمى سببا ،وان كان الثاني : سمي سببا فقط ، ولم يسم عله .
ومثال الأول : السفر لإباحة الفطر ، ففي هذه المسائل يدرك العقل وجه المناسبة بين السبب والحكم ، فالسفر : مظنة المشقة فيناسب الترخيص ، والإسكار : يفسد العقول فيناسب الحكم بتحريم الخمر ، حفظا للعقول من الفساد .
ففي هذه المسائل يعتبر كل من السفر والاسكار ، سببا وعله للأحكام المربوطة بها ومن الثاني : أي : مالم تعرف مناسبته للحكم : شهود رمضان لوجوب الصيام ، فإن العقل لا يدرك وجه المناسبة بين هذا السبب وبين تشريع الحكم بوجوب صلاة المغرب .
وعلة هذا يسمى كل من شهود رمضان وغروب الشمس : سببا فقط ، ولا يسمى عله ، فكل علة سبب وليس كل سبب علة .
الــــــــشـــرط :
الشرط في اللغة : العلامة اللازمة .
وفي الاصطلاح : ما يتوقف وجود الشئ على وجوده ، وكان خارجا عن حقيقته ، ولا يلزم وجود الشئ : وجود الشرعي الذي يترتب عليه أثاره الشرعية ، كالوضوء للصلاة ، وحضور الشاهدين لعقد النكاح .
فالوضوء شرط لوجود الصلاة الشرعية التي تترتب عليه أثارها من كونها صحيحة مجزئه مبرئه للذمة، وليس الوضوء جزاء من حقيقة الصلاة ، وقد يوجد الوضوء ولا توجد الصلاة .
تعريف أصول الفقه باعتباره مركبا إضافيا ..
الأصول : جمع أصل ، وهو في اللغة : ما يبنى عليه
غيره ، سواء أكان الابتداء حسيا أو عقليا ، وفي عرف العلماء واستعمالاتها ، يراد بكلمه ( الأصل )
غيره ، سواء أكان الابتداء حسيا أو عقليا ، وفي عرف العلماء واستعمالاتها ، يراد بكلمه ( الأصل )
عدة معان منها :
أ- الدليل : فيقال أصل هذه المسألة الإجماع ، أي :دليلها الإجماع ، وبهذا المعنى قيل : أصول الفقه ، أي : أدلته ، لأن الفقه ينبني على الأدلة أبتناء عقليا .
ب- الراجح : مثل قولهم : الأصل في الكلام الحقيقة ، أي : الراجح في الكلام ،حمله على الحقيقة ، لا المجاز ، ومنه : الكتاب أصل بالنسبة إلى القياس ، أي : الراجح هو الكتاب .
ت- القاعدة : فيقال : إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل ، أي : على خلاف القاعدة العامة ،وقولهم : الأصل أن الفاعل مرفوع ،أي : أن القاعدة العامة المستمرة : هي رفع الفاعل .
ث- المستصحب : فيقال : الأصل براءة الذمة أي : يستصحب خلو الذمة من الانشغال بشئ حتى يثبت خلافه . أما ( الفقه ) , فهو في اللغة : العلم بالشئ والفهم له ، ولكن استعماله في القران الكريم يرشد إلى أن المراد منه ليس مطلق العلم ، بل دقه الفهم ، ولطف الإدراك ، ومعرفة غرض المتكلم ، ومنه قوله تعالى : (قالوا ياشعيب ما نفقة كثيرا مما تقول ) أما الفقه في اصطلاح العلماء : فهو ( العلم بالأحكام الشرعية العلمية المكتسبة من أدلتها التفصيلية ، أو هو هذه الأحكام نفسها . والأحكام : جمع حكم ، وهو إثبات أمر لأخر ، إيجاد أو سلبا، مثل قولنا : الشمس مشرقه أو غير مشرقه . والمراد باالاحكام هنا : مايثبت لأفعال المكلفين من وجوب، اوندب ، أو حرمه ، أو كراهة، أو أباحه ، أو أفساد ،اوبطلان. وقيدت الأحكام بكونها شرعيه ، للدلالة على أنها منسوبه إلى الشرع ، أي : متعلقة بأفعال المكلفين كصلاتهم ، وبيوعهم ، وأشربتهم . ويشترط في هذه الأحكام الشرعية العملية أن تكون مكتسبه ، أي : مستفادة من الأدلة التفصيلية : هي الأدلة الجزئية التي يتعلق كل منها بمسألة خاصة ، وينص على حكم معين لها ، مثل : أ- قوله تعالى : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) ، فهذا دليل تفصيلي، أي : دليل جزئي يتعلق بمسألة خاصة : وهي نكاح الأمهات ، ويدلل على حكم معين ، هو حرمه نكاح الأمهات . أما تعريفه أللقبي ، أي باعتبار لقبا على علمم مخصوص : فهو العلم بالقواعد والادله الاجماليه ، التي يتوصل بها إلى استنباط الفقه . والقواعد : قضايا كليه ينطبق حكمها على الجزئيات التي تندرج تحتها ، فتعرف بها حكم هذه الجزئيات، ومن أمثله ذلك . أما الأدلة الإجمالية : فهي مصادر الأحكام الشرعية ، كالكتاب والسنة والإجماع والقياس ، والعلم بها يكون من حيث العلم بحجيتها ومنزلتها في الاستدلال بها .
الغرض من دراسة أصول الفقه ومدى الحاجة إليه ..
أن الغرض من وضع أصول الفقه ، هو الوصول إلى الأحكام الشرعية العملية ، بوضع القواعد والمناهج الموصلة إليها .
فالفقه والأصول : يتفقان على أن غرضهما التوصل إلى الأحكام الشرعية ، إلى ان الأصول : تبين مناهج الوصول وطرق الاستنباط ، والفقه : بستنبط الأحكام فعلا على ضوء المناهج التي رسمها علم الأصول ، وبتطبيق القواعد التي قررها أن المعنى بالأحكام الشرعية لا غنى له عن هذا العلم ، فإن المعنى بالقوانين الوضعية ، من محام أو قاض أو مدرس ، يحتاج هو الأخر إلى هذا العلم ،لان القواعد والأصول التي قررها علم الأصول ، مثل : القياس وأصوله، والقواعد الأصولية ، لتفسير النصوص ، وطرق دلالة الألفاظ والعبارات على معانيها ، ووجوه هذه الادله ، قواعد الترجيح بينن الأدلة، كل ذلك وغيره تلزم الإحاطة به من قبل من يتصدى للقوانين الوضعية ، ويريد الوصول إلى تفسيرها ومعرفة ما انطوت عليه من أحكام .
نشأة علم أصول الفقه :
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ما كانت هناك حاجه للكلام عن قواعد هذا العلم فضلا عن تدوينه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو مرجع الفتيا وبيان الأحكام .
وبعد وفاة النبي الكريم ظهرت وقائع وأحداث كان لابد من مواجهتها بالاجتهاد واستنباط أحكامها من الكتاب والسنة .
وكان نهج الصحابة في الاستنباط :
انهم كانوا إذا وردت عليهم الواقعة التمسوا كتاب الله ، فإن لم يجدوا الحكم فيه رجعوا إلى السنه ، فإن لم يجدوه في السنه اجتهدوا في ضوء ما عرفوا من مقاصد الشريعة ، ولم يجدوا عسرا في الاجتهاد ، ولا حاجه لتدوين لقواعده ،وقد ساعدهم على ذلك ما كان عندهم من ذوق فقهي اكتسبوه من طول صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وملازمتهم له .
وهكذا انقضى عصر الصحابة ولم تدون قواعد هذا العلم ، وكذلك فعل التابعون ، فقد ساروا على نهج الصحابة في الاستنباط .
إلا أنه بعد انقراض عصر التابعين اتسعت البلاد الإسلامية ، وجدت حوادث ووقائع كثيرة ،واختلط العجم بالعرب ، وكثر الاجتهاد والمجتهدون ، وتعددت طرقهم في الاستنباط ، واتسع النقاش والجدل ، وكثرة الاشتباهات والاحتمالات، فكان من أجل ذلك كله أن أحس الفقهاء بالحاجة إلى وضع قواعد وأصول وضوابط للاجتهاد ، يرجع إليها المجتهدون عند الاختلاف ، وتكون موازين للفقه وللرأي الصواب .
وقد قيل : إن أول من كتب في أصول الفقه هو أبو سيف ،صاحب أبي حنيفة ، ولكن لم يصل إلينا شئ من كتبه .
والشائع عند العلماء : أن أول من دون هذا العلم ، وكتب فيه بصوره مستقلة ، هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 304هـ .
فقد ألف فيه رسالته الأصولية المشهورة ، وتكلم فيها عن القران ، وبيانه للأحكام ، وبيان السنه للقران ، والإجماع والقياس ، والناسخ والمنسوخ ، والأمر و النهي ، الاحتجاج بخبر الواحد ، ونحو ذلك من الأبحاث الأصولية .
وكان نهجه في هذه الرسالة يتسم بالدقة ، والعمق ، إقامة الدليل على ما يقول ، ومناقشة أراء المخالف بأسلوب علمي رائع رصين .
وبعد الشافعي ، كتب أحمد ابن حنبل كتابا في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأخر في الناسخ والمنسوخ ، وثالثا في العلل , ثم تتابع العلماء في كتابته .
مسالك العلماء في بحث أصول الفقه :
ولم يسلك العلماء في أبحاث أصول الفقه طريقا واحدا ، فمنهم من سلك مسلك تقرير القواعد الأصولية ‘ مدعومة بالأدلة والبراهين ، فهو اتجاه نظري ، غايته : تقرير قواعد هذا العلم كما يدل عليها الدليل ، وجعلها موازين لضبط الاستدلال، وحاكمة على اجتهادات المجتهدين ، وهذا المسلك عرف بمسلك المتكلمين ، أو طريقة المتكلمين ، اتبعته المعتزلة والشافعية والمالكية ، كما اتبعته علماء الجعفرية .
وتمتاز هذه الطريقة – طريقة المتكلمين – بالجنوح إلى الاستدلال العقلي ، وعدم التعصب للمذاهب .
ومن العلماء من سلك مسلكا أخر ، يقوم على تقرير القواعد الأصولية على مقتضى ما نقل عن الأئمة من فروع فقهيه .وعرفت هذه الطريقة بطريقة الحنفية .
ويمتاز هذا المسلك بالطابع العلمي ، فهو دراسة عمليه تطبيقيه للفروع الفقهية المنقولة عن أئمة المذهب ، واستخراج القوانين ، والقواعد والضوابط الأصولية، التي لاحظها واعتبرها أولئك الأئمة في استنباطهم .
وقد وجدت طريقة ثالثه في البحث ، تقوم على الجمع بين الطريقتين ، فتعني بتقرير القواعد الأصولية المجردة التي يسندها الدليل، لتكون موازين الاستنباط ، وحاكمة على كل رأي واجتهاد ، مع التفات إلى المنقول عن الأئمة من الفروع الفقهية ، وبيان الأصول التي قامت عليها تلك الفروع .
وقد اتبع هذه الطريقة علماء من مختلف المذاهب :كالشافعية ، والمالكية ، والحنابلة ، والجعفرية ، والحنفية .
أقسام الحكم الشرعي :
ينقسم الحكم عند الأصوليين إلى قسمين :
الأول: الحكم التكليفي : وهو ما يقتضي طلب الفعل ، أوالكف عنه ، أو التخيير بين الفعل والترك .
وإنما سمي هذا النوع بالحكم التكليفي : لأن فيه كلفه على الإنسان ، وهذا ظاهر فيما طلب فيه الفعل أو الترك ، أما مافيه تخيير فقد جعل أيضا من الحكم التكليفي على سبيل التسامح والتغليب ، أو الاصطلاح .
الثاني : الحكم الوضعي : وهو مايقتضي جعل شئ لشي أخر ، أو شرطا أو مانعا منه، وسمي هذا النوع بالحكم الوضعي : لأنه ربط شيئين بالسببية ، أو الشرطية ، أو المانعة بوضع من الشارع .
أقسام الحكم التكليفي :
يقسم معظم الأصوليين ، الحكم التكليفي إلى خمسة قسام ، وهي :
أولا: الإيجاب : وهو طلب الشارع الفعل على سبيل ألحتم والإلزام ، وأثره في فعل المكلف ، الوجوب ، والفعل المطلوب على هذه الوجوه : هو الواجب .
ثانيا : الندب : وهو طلب الشارع الفعل على سبيل الترجيح لا الإلزام ، وأثره في فعل المكلف : الندب أيضا ، والفعل المطلوب على هذه الصفة : هو المندوب .
ثالثا : التحريم : وهو طلب الشارع الكف عن الفعل على سبيل الجزم والإلزام وأثره في فعل المكلف الحرمة ، والفعل المطلوب تركه : هو الحرام أو المحرم .
رابعا: الكراهة : وهي طلب الشارع الكف عن الفعل على سبيل الترجيح لا ألحتم والإلزام وأثره في فعل المكلف : الكراهة أيضا .
الــــواجـــــــــب :
الواجب شرعا : هو ماطلب الشارع فعله على وجه اللزوم ، بحيث يذم تاركه ومع الذم العقاب ، ويمدح فاعله ومع المدح والثواب .
وتحت الفعل أولزومه ، أو من ترتيب العقاب على ترك الفعل ، فإقامة الصلاة ، وبر الوالدين .
والواجب : هو الفرض عند الجمهور .
أما الحنفية فإنهم يفرقون بينهما من جهة الدليل الذي ثبت به لزوم الفعل ، فإذا كان الدليل ظنيا لا قطعيا : كخبرالاحاد الثابت به وجوب الاضحيه ، فالفعل هو الواجب ، وإذا كان الدليل قطعيا لاظنيا كنصوص القران في لزوم الصلاة على المكلف ، فالفعل هو الفرض .
اقساام الواجب:
يقسم الواجب إلى أقسام متعددة : باعتبارات مختلفة ، فهناك تقسيم له : باعتبار وقت أدائه ،وأخر :باعتبار تقديره وعدم تقديره ، وثالث :باعتبار تعيينه عدم تعيينه ، ورابع : باعتبار المطالب بأدائه .
وهذه التقسيمات هي :
الواجب بالنظر إلى وقت أدائه :
واجب مطلق ، وواجب مفيد
فالواجب المطلق : هو ماطلب الشارع فعله ، دون أن يفيد أداوه، بوقت معين فللمكلف أن يفعله في أي وقت شاء، وتبرا ذمته بهذا الأداء .
ومن هذا النوع : قضاء رمضان لمن افطر بعذر مشروع فله أن يقضيه متى شاء .
والواجب المقيد : هو ما طلب الشارع فعله وعين أدائه وقتا محددا :: كالصلوات الخمس ، وصوم رمضان ،فلا يجوز أداؤه قبل وقته المحدد ، ويأثم بتأخيره بعد
وقت من غير عذر مشروع ،فالإلزام في الواجب المقيد : منصب على الفعل وعلى وقت معين .
والإلزام في الواجب المطلق : منصب على الفعل فقط ، دون وقت معين .
الواجب بالنظر إلى تقديره وعدم تقديره:
ينقسم الواجب باعتبار المقدار المطلوب منه إلى : واجب محدد، وواجب غير محدد.
فلواجب المحدد : هو ماعين الشارع منه مقدارا محددا : كالزكاة، وأثمان المشتريات ونحو ذلك .
وهذا النوع يتعلق بالذمة ، ولا تبرا ذمه المكلف منه إلا بأدائه على الوجه الذي حدده الشارع ، وثبت في ذمته .
والواجب غير المحدد : هو الذي لم يحدد الشارع مقداره : كالإنفاق في سبيل ، فهذا ليس له حد محدود ، وإنما يتحدد بمقدار حاجه المحتاج وقدرة المنفق .
وهذا النوع من الواجب لا يثبت دنيا في الذمة .: لأن الشأن فيما يثبت في الذمة ان يكون محددا ، وعلى هذا لا تثبت النفقة للزوجة في ذمة الزوج قبل الحكم بها ، أو التراضي عليها عند بعض الفقهاء .
الواجب بالنظر إلى تعين المطلوب وعدم تعينه :
وهو بهذا الاعتبار: واجب معين ، وواجب غير معين .
فالواجب المعين : هو ما طلبه الشارع بعينه من غير تخيير للمكلف بين أمور مختلفة : كالصلاة والصيام ورد المغضوب إن كان قائما ، وحكم هذا النوع عدم براءة الذمة إلا بفعله بعينه .
والواجب غير المعين : هو ما طلبه الشارع لا بعينه ، ولكن ضمن أمر معلومة ، وللمكلف أن يختار واحدا منها لأداه هذا الواجب .
وقد يكون هذا الواجب واحدا من اثنين ، وللمكلف أن يختار أحدهما ، كما في قوله تعالى في أسرى الحرب : ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ) فلإمام أن يمن على الأسرى ، أو يفاديهم بغيرهم .
وقد يكون الواجب غير المعين واحدا من ثلاثة أمور ، ومثله : كفاره اليمين ، فإن الواجب فيها على الحانث واحد من ثلاثة أشياء : إطعام عشره مساكين ، أو كسوتهم، أو عتق رقبة ، وهذا عند الاستطاعة والمقدرة ، أما عند عدمها فالواجب معين : وهو صيام ثلاثة أيام ، وسمى بعض هذا الواجب : بالواجب المخير ، لأن فيه تخييرا للمكلف .
الواجب بالنظر إلى المطالب به :
الواجب بهذا الاعتبار : واجب عيني ، وواجب على الكفاية .
فالواجب العيني : هو ما توجه فيه الطلب اللازم إلى كل مكلف ، أي : هو ما طلب الشارع حصوله من كل واحد من المكلفين ، فلا يكفي فيه قيام البعض دون البعض الأخر ، ولا تبرا ذمة المكلف منه إلا بأدائه ، ومن ثم يأثم تاركه ويلحقه العقاب ، ولا يغني عنه قيام غيره به . ومثاله : الصلاة والصيام .
والواجب على كفاية ،أو الكفائي : هو ماطلب الشارع حصوله من الجماعة المكلفين لا من كل فرد منهم ، لأن مقصود الشارع حصوله في جماعه ، أي إيجاد الفعل لا ابتلاء المكلف ، فإذا فعله البعض سقط الفرض عن الباقين .
ومن أمثلة الواجب الكفائي : الجهاد والقضاء ، والإفتاء ، والتفقه في الدين ، وأداء الشهادة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر. لأن فروض الكفاية تهدف غالبا إلى مصلحة عامه للأمة .
قال الإمام الشافعي في الفرض الكفائي : ( ولو ضيعوا معا ، خفت أن لا يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم )
وقد يصير الواجب الكفائي واجبا عينيا ، كما في الاجتهاد : إذا لم يحصل المقصود به ، صار فرضا عينيا على كل مكلف قادرا على محاربة العدو بأي نوع من أنواع المحاربة .
المندوب :
الندب : الدعاء إلى الأمر المهم ، والمندوب : المدعو إليه .
وفي الاصطلاح : هو ما طلب الشارع فعله من غير إلزام ، بحيث يمدح فاعله ويثاب ، ولا يذم تاركه ولا يعاقب .
ويدل على كون الفعل مندوبا صيغة الطلب ، إذا اقترن بها ما يدل على إرادة الندب لا الإلزام ، سواء كانت هذه القرينة نصا أو غيره .
فقوله تعالى : ( يا أيها الذين امنوا إذا تداينتم بدين إلى أجمل مسمى فاكتبوه ) لا يدل هذا الطلب على ألحتم والإلزام ،بقرينه ما ورد في سياق الايه وهو قوله تعالى :
( فإن أمن بعضكم بعضا فليود الذي اؤتمن أمانته ) فهذا النص يدل على أن طلب كتابة الدين : إنما يراد به الندب لا اللزوم ، فهو من قبيل الإرشاد للعباد لما يحفظون به حقوقهم من الضياع ، فإذا لم يأخذوا بهذا الإرشاد تحملوا هم نتيجة إهمالهم .
والمندوب ، أيضا : السنه ، والنافلة ، والمستحب ، والتطوع ، والإحسان ، والفضيلة، وكلها ألفاظ متقاربة المعنى تشير إلى معنى المندوب : وهو كونه راجح الفعل من غير إلزام . والمندوب على مراتب :
فأعلاها : ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يتركه إلا نادرا ، ومنه : صلاة ركعتين قبل فريضة الفجر ، فهذا تسمى : سنه مؤكده ، يلام تاركها ، ولا يعاقب .
ويلي هذه المرتبة ، مايسمى : بالسنة غير المؤكدة ، وهي التي لم يداوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، أربع ركعات قبل الظهر .
وتلي هذه المرتبة من المندوب ، مايسمى بالفضيلة والأدب وسنة الزوائد ، كالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في شؤونه الاعتيادية التي صدرت من بصفته إنسانا ، كآداب الأكل والشرب والنوم فالاقتداء به عليه الصلاة والسلام في هذه الأمور مستحب . ولكن تاركها لا يستحق لوما .
ويلاحظ هنا أمران :
الأول: إن المندوب بجملته يعتبر كمقدمة للواجب ، ويذكر به ويسهل عليه المكلف أداءه ،لأن المكلف بأدائه المندوبات ودوامه عليه ، يسهل عليه أداء الوجبات ويعتادها، وفي هذا يقول الإمام الشاطبي : ( المندوب إذا اعتبره أعم ، وجدته خادما للواجب ، لأنه إما مقدمه له ، أو تذكار به سواء أكان من جنسه واجب أم لا ) .
الثاني : إن المندوب ، ان كان غير لازم باعتبار جزئه ، إلا أنه لازم بأعتبار الكل ، بمعنى لايصح للمكلف ان يترك المندوبات جمله واحده ، فهذا قادح في عدالته ، ويستحق عليه التأديب والزجر .
فالأذان وصلاة الجماعة وصدقة التطوع وسنه الفجر ، كلها مندوبه من حيث الجزاء ، لازمه من حيث الكل ، فلا يصح تركها جمله .
فترك ، لازمه من حيث الكل ، فلا يصح تركها جمله .
فترك المندوبات كلها مؤثر في أوضاع الدين ، إذا كان الترك ، أما إذا كان في بعض الأوقات فلا تأثير له .
الحرام والحرام :
الحرام : هو ما يطلب الشارع الكف عنه على وجه الحتم والإلزام ، فيكون تاركه مأجور مطيعا ، وفاعله إثما عاصيا ، سواء كان دليله قطعيا لا شبه فيه : كحرمه الزاني ، أم كان ظنيا : المحرمات بالسنة الاحاديه.
ويستفاد التحريم من استعمال لفظ يدل التحريم بمادته : كلفظ الحرمة ، أو نفي الحل ، كقوله تعالى: ( حرمت عليكم أمهاتكم ) وقوله صلى الله عليه وسلم : (لايحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه ) .
أويستفاد التحريم من صيغة النهي المقترنة بما يدل على الحتم ، أومن ترتيب العقوبة على الفعل .
فمن الأول : قوله تعالى :( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوقول الزور ) .
ومن الثاني :قوله تعالى :( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فأجلدوهم ثمانين جلده ) .
أقسام الحرام :
إن الشارع لم يحرم شيئا إلا لمفسدته الخالصة أو الغالبة ، وهذه المفسدة إما إن ترجع إلى ذات الفعل المحرم وهذا هو المحرم لذاته أو لعينه ، وإما أن ترجع لا إلى ذات الفعل بل إلى أمر اتصل به ، وهذا هو المحرم لغيره .
فالمحرمة لذاته : هو ما حرمه الشارع ابتداء لما فيه من الأضرار والمفاسد الذاتية التي لا تنفك عنه : كا الزنى ، وتزوج المحارم . ونحو ذلك مما حرم لذاته وعينه .
وحكم هذا النوع : أنه غير مشروع أصلا ، ولا يحل للمكلف فعله ، وإذا فعله لحقه الذم والعقاب ، ولا يصلح أن يكون سببا شرعيا تترتب عليه أحكامه ،وإذا كان محلا للعقد بطل العقد ، ولم يترتب عليه أثره الشرعي .
وعقد النكاح إذا كان محله أحد المحارم مع العلم بذلك ، كان العقد باطلا ، ولم يترتب عليه شئ مما يترتب عليه عقد النكاح الصحيح :من ثبوت النسب والتوارت والحقوق بين الطرفين والحل بينهما بل يعتبر الدخول زنى .
ولكن قد يباح بعض أنواع المحرم لذاته عند الضرورة . فالميتة يحل أكلها عند خوف الهلاك .
المحرم لغيره :
وهو ما كان مشروعا في الأصل ، إذ لا ضرر فيه ولا مفسده ، أو أن منفعته هي الغالبة، ولكنه اقترن بما اقتضى تحريه : كالصلاة في الأرض المغصوبة ، والبيع وقت نداء الجمعة .
فالصلاة بذاتها مشروعه ، فهي واجبه ،ولكن لما اتصل بها محرم وهو لغصب جاء النهي عن الصلاة قي الأرض المغصوبة .
وحكم هذا النوع من المحرم يقوم على أساس نظرتنا إليه ،فالمحرم لغيره مشروع ومن جهة أصله وذاته ، وغير مشروع من جهة ما اتصل به من أمر محرم .
فمن الفقهاء من غلب جهة مشروعه أصله على حرمه ما اتصل به فقال :إنه يصلح سبب شرعي ، وتترتب عليه أثاره ، وإن كان منهيا عنه باعتبار ما اتصل به ، ولهذا يلحق فاعله الإثم من هذه الجهة لا من جهة تانيه الفعل نفسه .
وعلى هذا النظر تكون الصلاة في الأرض المغصوبة صحيحة مجزئه ، وتبرأ ذمه المكلف منها وهو إثم بالغضب ، والبيع وقت النداء صحيح مع الإثم ، الإيقاعي في هذا الوقت وهكذا .
ومن الفقهاء من غلب جهة فساد ما اتصل بالفعل على مشروعية أصله فقال بفساد الفعل ، وعدم ترتب أثره الشرعي عليه ، ولحقوق الإثم بفاعله،لأن جهة الفساد في نظرهم لاتبقى أثرا لمشروعيته أصله .
وعلى هذا الأساس قال هذا الفريق من الفقهاء ببطلان الصلاة في الأرض المغصوبة.
المكروه :
المكروه : هو ما كان تركه أولى من فعله ، أو هو ماطلب الشارع من المكلف تركه ، لا على وجه الحتم والإلزام كما لو كانت الصيغة بنفسها دالة على الكراهة ، أو كانت الصيغة من صيغة النهي ، وقامت القرينة على صرفها من التحريم إلى الكراهة .
فمن الأولى : قوله على السلام : ( إن الله يكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ) .
ومن الثاني : قوله تعالى : ( يا أيها الذين امنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوكم) والقرينة الصارفة عن التحريم إلى الكراهة، ما جاء بنفس الايه وهو قوله تعالى :(وإن تسألوا عنها حين ينزل القران تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم ) .
وحكم المكروه : أن فاعله لا يأثم ، وإن كان ملوما ، وان تاركه يمدح ويثاب ، إذا كان تركه الله .
والمكروه هو على رأي الجمهور واصطلاحهم ، واحد وهو ما ذكر .
أما الحنفية ، فعندهم المكروه نوعان :
الأول : المكروه تحريما : وهو ماطلب الشارع من المكلف الكف عنه حتما بدليل منهما بخبر الآحاد ، وهو دليل ظني .
وحكمه حكم المحرم عند الجمهور ،أي :يستحق فاعله العقاب إن كان لا يكفر منكره لأن دليله ظني .
الثاني : المكروه تنزيها : وهو ما طلب الشارع الكف عنه طلبا غير ملزم للمكلف ، مثل : أكل لحوم الخيل للحاجة إليها في الحروب ، والوضوء من سؤر سباع الطير وحكم هذا المكروه : أن فاعله لا يذم ولا يعاقب ، وإن كان فعله خلاف الأولى والأفضل.
المـــبـــاح :
المباح : هو ماخير الشارع المكلف بين فعله وتركه ، ولا مدح ،ولا ذم على الفعل والترك ، ويقال له : الحلال .
أ- النص من الشارع بحل الشئ ، مثل قوله تعالى : ( اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم )
ب- النص من الشارع على نفي الإثم أو النجاح أو الحرج . فمن الأول : قوله تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ) فمن الثاني : ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكنتم في أنفسكم ) . ومن الثالث : ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت أبائكم ) . ج – التعبير بصيغه الأمر مع وجود القرينة الصارفة عن الوجوب إلى الإباحة ، مثل قوله تعالى : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) ، أيي إذا تحللتم من إحرام الحج ، فالصيد مباح لكم .
د – استصحاب الإباحة الأصلية للأشياء ، بناء على أن الأصل فيها الإباحة . فالأفعال من عقود وتصرفات ، والأشياء من جماد وحيوان أو نبات ، الأصل فيها الإباحة فما لم يرد دليل من الشارع يدل على حكمها صراحة ، فحكمها الإباحة استصحابا للإباحة الأصلية .
وإن حكم المباح : انه لا ثواب فيه ولا عقاب ، ولكن قد يثاب عليه بالنية والقصد ويجب ملاحظة : ان المباح على ما فسرناه إنما هو بالنسبة للجزء، وأما بالنسبة للكل فهو إما مطلوب الفعل أو الترك ، فالإباحة تتجه إلى الجزئيات ، ولا إلى الكليات ، وإلى بعض الأوقات ، لا إلى جميع الأزمان .
ووطء الأزواج زوجاتهم : مباح ،ولكن تركه بالكلية وعلى وجه الدوام والاستمرار حرام ،ولما فيه من الإضرار بالزوجة والتفويت لمقاصد النكاح ، فالإباحة في والوطء منصبه على جزئياته ، وأوقاته ، والحرمة منصبه على تركه جمله .
العزيمة والرخصة :
العزيمة والرخص من أقسام الحكم التكليفي ، لأن الأول : اسم لم طلبه الشارع أو إباحة على وجه العموم ، والرخصة : اسم لما أباحه الشارع عند الضرورة تخفيفا عن المكلفين ودفعا للحرج عنهم ، و الأباحه من أقسام الحكم التكليفي ( وهو التعريف الاصطلاحي ) .
والعزيمة في اللغة : القصد على وجه التأكد ، ومنه قوله تعالى : ( فنسي ولم نجد له عزما) ، أي ، لم يكن من ادم عليه السلام قصد مؤكد على عصيان أمر ربه .
والرخصة في اللغة : السهولة واليسر .
أنواع الرخصة :
أولا : إباحة المحرم عند الضرورة : كالتلفظ بكلمه الكفر مع اطمئنان القلب إذا أكره على ذلك بالقتل ، قال تعالى : ( إلا من أكراه وقلبه مطمئن بالإيمان ) .
ثانيا : إباحة ترك الواجب ، مثل : الفطر في رمضان للمسافر والمريض دفعا للمشقة .
ثالثا: تصحيح بعض العقود التي يحتاجها الناس ، وإن لم تجر على القواعد العامة ، مثل : بيع السلم ، فقد أباحه الشارع الحكيم مع أنه بيع معدوم ، وبيع المعدوم باطل .
حكم الرخصه:
الأصل في الرخصة : الإباحة ، فهي تنقل الحكم الأصلي من اللزوم إلى التخير بين الفعل والترك ، لأن مبنى الرخصة ملاحظه عذرا المكلف ، ورفع المشقة عنه وقد يكون الأخذ بالعزيمة أولى من إباحة الأخذ بالرخصة ، ومن هذا النوع : إباحة إجراء لفظ الكفر على اللسان ، مع اطمئنان القلب ، عند الإكراه عليه بالقتل أو تلف العضو.
الأولى : الأخذ بالعزيمة ، لما في ذلك من إظهار الاعتزاز بالدين ، وإغاظة الكافرين ، يدل على ذلك : أن بعض أعوان مسيلمة الكذاب أخذوا رجلين مسلمين، وذهبوا بهما إليه ، فسأل أحدهما : ماتقول في محمد ؟ قال : هو رسول الله ، قال: فما تقول في ؟ قال : أنت أيضا ، فتركه ولم يمسه بسوء ، ثم سأل الأخر
عن محمد فقال : ه رسول الله ، قال ماتقول في ؟ قال أنا أصم لا اسمع ، فأعاد عليه ثلاثا ، فأعاد جوابه ،فقتله ، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ،قال: أما الأول فقد أخذه برخصة الله ،وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له .
وعمار بن ياسر نطق بكلمة الكفر ، ونال من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومدة ألهه المشركين تحت وطأة العذاب الشديد ، ولم أخبره عمار النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى ، قال له : كيف وجدت قلبك ؟ قال : مطمئنا ، فقال عليه الصلاة والسلام ، فإن عادوا فعد .
فهذا الخبر يدل على إباحة التلفظ بالكفر عند الضرورة والإكراه ، الخبر الأول يدل على ان الصبر والأخذ بعزيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولو إلى القتل وهذا هو الأول ، يدل عليه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قال كلمة حق لسلطان جائر ، فقتله .
فأمر الحاكم الظالم ونهيه مع احتمال بطشه ، أولى من السكوت عنه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، جعله قرينا لحمزة بن عبد المطلب في مرتبة الشهادة العالية .
أقسام الحكم الوضعي :
السبب:
السبب في اللغة : ما يتوصل به إلى مقصود ما .
وفي الاصطلاح : ما جعله الشرع معرفا لحكم شرعي ، بحيث يوجد هذا الحكم عند وجوده ، وينعدم عند عدمه .
وعلى هذا يمكن تعريف السبب في الاصطلاح : بأنه كل أمر جعل الشارع وجوده علامة على وجود الحكم ، وعدمه علامة على عدمه : كالزنا لوجوب الحد ، والمجنون لوجوب الحجر ، فإذا انتقى الزنا والمجنون : انتفى وجوب الحد ( العقوبة ) والحجر .
أقسام السبب :
السبب باعتباره فعلا للمكلف ، أو ليس فعلا له ، ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : سبب ليس فعلا للمكلف ولا مقدارا له ، ومع هذا إذا وجد ، وجد الحكم ، لان الشارع ربط الحكم به وجودا وعدما ، كدلوك الشمس لوجوب الصلاة ، وشهر رمضان لوجوب الصيام .
القسم الثاني : سبب هو فعل للمكلف ما في قدرته ، كالسفر لإباحة الفطر ، والقتل العمد العدوان لوجوب القصاص .
وهذا قسم من السبب، أي : ما كان فعلا للمكلف ، وننظر إليه نظرين :
الأول : باعتبار فعلا للمكلف ، فيكون داخلا في خطاب التكليف ، وتجري عليه أحكامه فيكون مطلوبا فعله ، أو مطلوب تركه ، أو مخيرا فيه .
الثاني : باعتبار مارتب عليه الشارع من أحكام أخرى ، فيعد من أقسام الحكم الوضعي .
فالنكاح يكون واجبا عند خوف الوقوع في الزنى ، والقدرة على تكاليف النكاح ، والوجوب حكم تكليفي ، ويكون سببا ، فتترتب عليه جميع الآثار الشرعية من وجوب المهر والنفقة والتوارث ، والسببية حكم وضعي .
والقتل العمد العدوان مطلوب الترك جزما ، وهذا حكم تكليفي ، وهو سبب القصاص ، وهذا حكم وضعي .
والبيع مباح وهذا حكم تكليفي ، وهو سبب لثبوت ملك البائع للثمن ، والمشتري للمبيع وهذا حكم وضعي .
وينقسم السبب أيضا ما يترتب عليه إلى قسمين :
الأول : سبب لحكم تكليفي : كالسفر لإباحة الفطر .
الثاني : سبب لحكم هو أثر لفعل المكلف : كالبيع لملك المبيع من قبل المشتري .
ربط الأسباب بالمسببات :
المسببات تترتب على أسبابها إذا وجدت هذه الأسباب ، وتحققت شرعا لترتب الأحكام عليها ، فا لقرابة سبب للإرث ، وشرطة : موت المورث ، وتحقق حياة الوارث حقيقة ، أو حكما والمانع : هو القتل العمد العدوان ، أو اختلاف الدين ، فإذا وجد السبب ، وتحققت شروطه ، وانتفت الموانع ترتب عليه أثره وهو الميراث ، وإذا انتفى الشرط ، أو وجد المانع فإن السبب لا يكون سببا منتجا أثره.
السبب والعلة :
ماجعله الشارع علامة الحكم وجودا وعدما ، إما أن يكون مؤثرا في الحكم ، بمعنى: ان العقل يدرك وجه المناسبة بينه وبين الحكم ، وأما ان تكون مناسبته للحكم خفيه لا يدركها العقل ‘ فإن كان الأول : سمي عله كما يسمى سببا ،وان كان الثاني : سمي سببا فقط ، ولم يسم عله .
ومثال الأول : السفر لإباحة الفطر ، ففي هذه المسائل يدرك العقل وجه المناسبة بين السبب والحكم ، فالسفر : مظنة المشقة فيناسب الترخيص ، والإسكار : يفسد العقول فيناسب الحكم بتحريم الخمر ، حفظا للعقول من الفساد .
ففي هذه المسائل يعتبر كل من السفر والاسكار ، سببا وعله للأحكام المربوطة بها ومن الثاني : أي : مالم تعرف مناسبته للحكم : شهود رمضان لوجوب الصيام ، فإن العقل لا يدرك وجه المناسبة بين هذا السبب وبين تشريع الحكم بوجوب صلاة المغرب .
وعلة هذا يسمى كل من شهود رمضان وغروب الشمس : سببا فقط ، ولا يسمى عله ، فكل علة سبب وليس كل سبب علة .
الــــــــشـــرط :
الشرط في اللغة : العلامة اللازمة .
وفي الاصطلاح : ما يتوقف وجود الشئ على وجوده ، وكان خارجا عن حقيقته ، ولا يلزم وجود الشئ : وجود الشرعي الذي يترتب عليه أثاره الشرعية ، كالوضوء للصلاة ، وحضور الشاهدين لعقد النكاح .
فالوضوء شرط لوجود الصلاة الشرعية التي تترتب عليه أثارها من كونها صحيحة مجزئه مبرئه للذمة، وليس الوضوء جزاء من حقيقة الصلاة ، وقد يوجد الوضوء ولا توجد الصلاة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق