التجديد في الإسلام
- التحرير -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ، ونستـعـينه ، ونسـتـغـفـره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
إن العالم الذي نعيش فيه تصطرع فيه العقائد والأفكار ، وتتصادم المـبـادئ والآراء ، وقـد اقتضت سنة الله في هذا الـكـون أن يـكـون الـصـراع بـين الخـير والـشـر صراعاً مستمراً ما استمرت الحياة ، وإن الإسلام الذي هو خير كله ، ولذلك اختاره الله ديناً للبشرية ، لن يترك من قبل قوى الشر ، ولا تزال شياطين الإنس والجن تواجهه بشتى الأسلحة منذ أن بُعث محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم الناس هذا.
وإن أخطر الأخطار التي تهدد هذا الدين ما كان داخلياً نابعاً من صفوف متبعيه ، فالذي يتتبع حركة هذا الدين في التاريخ يجد مصداق ذلك ، فكل أنواع الإخفاق والانهزام التي مني بها أصحابه كانت أسبابها الرئيسية ترجــع إلى تـراخٍ في التمسك بهذه العقيدة ، أو عدم وضوح التصورات والأهداف يعتري الناس ، أو غفلة عن مبدئية هذا الدين في خضم تصارع القوى والأفكار حوله. وكل العلامات المضيئة في مسيرته التاريخية ترجع إلى انتباه المسلمين إلى ما يملكون من رصيد مــادي ومـعنوي حيث يعتزون بدينهم, ويشعرون بفداحة الأخطاء التي تهددهم من خلال استهداف الأعداء دينَهــم فـيـجتمعون على هدف موحد، ويسيرون إليه بخطاً واثقة يستهدفون كتاب ربهم وسنة نبيهم -صـلـى اللـه علـيه وسلم-، ويستلهمون معاني القوى والاعتزاز وكراهية الظلم بشتى أشكاله من ذلك الرصـيــد العظيم وقد اقـتـضـت حـكـمـة الله أن يكون العلماء هم الرواد الذين يحملون النور في الظـلـمـــات الحالكة، وأن يكون علمهم هو الهادي للمسلمين حين تطبق عليهم الخطوب وتـفـدحـهـــم المصائب ، فيبثون بهذا العلم الثقة في النفوس المهزومة ويبعثون الأمل الضاحك في القـلوب المقهورة ، ويشخصون الداء ويصفون الدواء بحكمة الطبيب النطاسي.
ومـنذ أواسط القرن التاسع عشر المسيحي بدأ المسلمون بالتنبه لواقـعـهم الـذي آلـوا إلـيـه: تراجع في القوى، وتشـتـت وتـفـرق، ومـلـوك وولاة أنـهـكـوا شـعـوبـهـم بظلمهم وعسفهم واستبدادهم، وأماتوا فيهم عوامل الوثوب والمقاومة، حتى غدوا جهلاء فقراء إلى جـانــب أمم الغرب التي استعدت عليهم، وبدأت تهددهم، وأخيراً قضت على آخر كيان سياســي كان يتكلم باسم هذا الدين وهو الدولة العثمانية ، وتمكنت من أن تسيطر على بـلـدانـهــم وثرواتهم ، وتجعلهم وبلدانهم غذاءً لمصانعها وبطونها ، وسوقاً لمنتجاتها ، وقبل كل ذلك وضعت الخطط والبرامج من أجل تغيير عقائد هذه الشعوب ، وقطع صلتها بـتـشـريـعـهــا وقـيـمها وأخـلاقـها، وإحلال عقائد ومناهج الغرب الكافر محلها، فـتقـترب الـعـقــول من العقول، وتردم الهوة السحيقة التي تفصل بين قيم وقيم، وعادات وعادات، فيـسـلـس لها قياد هذه الشعوب ، ويسهل لها تحقيق مطامعها في بسط الهيمنة ورفع الحضارة الـغـربـيـة المسيحية الوثنية ، وتدمير المعاني الإسلامية الربانية.
ومـنـذ ذلـك الحين إلى الآن قامت دعوات ونهض أفراد ، يرفعون رايات الإصلاح ويبينون مكامن الأخطر كل حسب رأيه وقدراته ومنازعه الثقافية.
وكان دعــاة الإصلاح - وما زالوا - كل له رأيه في الإسلام ، فكان أن جعلته طائفة أساساً لعملها ، وطـائفـة تجاهلته ، وطائفة اختارت منه أشياء ورفضت واستبعدت أشياء يدفعها إلى ذلك التـحـكــم المحض تارة ، أو الانهزام أمام الأفكار الوافدة تارة أخرى ، أو الغرور مرات كثيرة.
على أن الأمر الذي آثار - ويثير - البلبلة في الأفكار ، وخاصة أفكار الشباب هو أن أغلب رواد الإصلاح كانوا يـرفـعـون راية الدين ، ويدعون أنهم على الجادة التي ترك محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسـلــم- أصـحـابه عليها ، مع أن أغلب أولئك الرواة قد شابت مسالكهم الشوائب ، وخالطت منهاجهم أمور غريبة كانت نتيجة تصور غير صافٍ للمنهج الإسلامي الأصيل.
وهذه الدراسة التي نقدم لها تتناول هذه الـقـضـيــة الخـطـيرة ، قضية التجديد والإصلاح ، وتصب في صميم تحديد المنهج الذي يجب أن ينتهجه المسلمون ، حتى يخرجوا مما هم فيه من الضعف العقائدي ، ويرتفعوا عن وهدة الذل والهوان التي صاروا إليها.
وقد طرح هذا الموضوع الحساس على بساط البحث قديماً وحـديـثــاً ، وتناولته طائفتان من الكتاب:
1- طائفة يمكن أن نطلق عليها اسم (هواة الكتابة )، حيث وجدوا هذا الموضوع مستطرفاً ، فتناوله إشبـاعــاً لهواية الكتابة عندهم لا انطلاقاً من شعور مُلِحَ ، وإحساس تفاعلي بينهم وبين الواقع.
2- وطائفة من العلماء الأعلام تعرضت له تعرضاً خفيفاً حسب ما يقتضيه ما هم بصدده من بيان المراد بالجملة لا بالتفصيل ، وشرح لمضمون حديث (المجدِّد) حينما يعرض في دواوين السنة.
وهذه أول دراســة عـلـمـيـــة - فيما نعلم - لموضوع التجديد والمجددين ، مستوعبةً له ، مقصورة عليه ، دفع إليها الإحـسـاس بالحاجة إليه في هذا الوقت الذي توالت فيه المحن والشدائد على حَمَلَةِ هذا الدين ، وقـلَّ العلم وكَثُرت الدعوة ، وتعددت اللافتات المرفوعة.
وسيجد القارئ أسباب اعتبارنا هذه الـدراســة واعتدادنا بها مبثوثة في ثنايا البحث الذي سننشره على حلقات في هذه المجلة - إن شـاء الله - ، ومـن أبرز هذه الأسباب: الحرص على الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله ، مع بيان مـبـلـغ حديث من الصحة عند الاستشهاد ونقل أقوال العلماء المحققين ، وتقديم دراسة تاريـخـية لأبرز المجددين ، مع ربط هذه الأمور بواقع عصرنا.
وسيكون من خطة المجلة أن تتبنى كتباً أو أبحاثاً مسلسلة ثم يصــار إلـى طـبعها في كتاب يكون موازياً للمجلة.
- التحرير -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ، ونستـعـينه ، ونسـتـغـفـره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
إن العالم الذي نعيش فيه تصطرع فيه العقائد والأفكار ، وتتصادم المـبـادئ والآراء ، وقـد اقتضت سنة الله في هذا الـكـون أن يـكـون الـصـراع بـين الخـير والـشـر صراعاً مستمراً ما استمرت الحياة ، وإن الإسلام الذي هو خير كله ، ولذلك اختاره الله ديناً للبشرية ، لن يترك من قبل قوى الشر ، ولا تزال شياطين الإنس والجن تواجهه بشتى الأسلحة منذ أن بُعث محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم الناس هذا.
وإن أخطر الأخطار التي تهدد هذا الدين ما كان داخلياً نابعاً من صفوف متبعيه ، فالذي يتتبع حركة هذا الدين في التاريخ يجد مصداق ذلك ، فكل أنواع الإخفاق والانهزام التي مني بها أصحابه كانت أسبابها الرئيسية ترجــع إلى تـراخٍ في التمسك بهذه العقيدة ، أو عدم وضوح التصورات والأهداف يعتري الناس ، أو غفلة عن مبدئية هذا الدين في خضم تصارع القوى والأفكار حوله. وكل العلامات المضيئة في مسيرته التاريخية ترجع إلى انتباه المسلمين إلى ما يملكون من رصيد مــادي ومـعنوي حيث يعتزون بدينهم, ويشعرون بفداحة الأخطاء التي تهددهم من خلال استهداف الأعداء دينَهــم فـيـجتمعون على هدف موحد، ويسيرون إليه بخطاً واثقة يستهدفون كتاب ربهم وسنة نبيهم -صـلـى اللـه علـيه وسلم-، ويستلهمون معاني القوى والاعتزاز وكراهية الظلم بشتى أشكاله من ذلك الرصـيــد العظيم وقد اقـتـضـت حـكـمـة الله أن يكون العلماء هم الرواد الذين يحملون النور في الظـلـمـــات الحالكة، وأن يكون علمهم هو الهادي للمسلمين حين تطبق عليهم الخطوب وتـفـدحـهـــم المصائب ، فيبثون بهذا العلم الثقة في النفوس المهزومة ويبعثون الأمل الضاحك في القـلوب المقهورة ، ويشخصون الداء ويصفون الدواء بحكمة الطبيب النطاسي.
ومـنذ أواسط القرن التاسع عشر المسيحي بدأ المسلمون بالتنبه لواقـعـهم الـذي آلـوا إلـيـه: تراجع في القوى، وتشـتـت وتـفـرق، ومـلـوك وولاة أنـهـكـوا شـعـوبـهـم بظلمهم وعسفهم واستبدادهم، وأماتوا فيهم عوامل الوثوب والمقاومة، حتى غدوا جهلاء فقراء إلى جـانــب أمم الغرب التي استعدت عليهم، وبدأت تهددهم، وأخيراً قضت على آخر كيان سياســي كان يتكلم باسم هذا الدين وهو الدولة العثمانية ، وتمكنت من أن تسيطر على بـلـدانـهــم وثرواتهم ، وتجعلهم وبلدانهم غذاءً لمصانعها وبطونها ، وسوقاً لمنتجاتها ، وقبل كل ذلك وضعت الخطط والبرامج من أجل تغيير عقائد هذه الشعوب ، وقطع صلتها بـتـشـريـعـهــا وقـيـمها وأخـلاقـها، وإحلال عقائد ومناهج الغرب الكافر محلها، فـتقـترب الـعـقــول من العقول، وتردم الهوة السحيقة التي تفصل بين قيم وقيم، وعادات وعادات، فيـسـلـس لها قياد هذه الشعوب ، ويسهل لها تحقيق مطامعها في بسط الهيمنة ورفع الحضارة الـغـربـيـة المسيحية الوثنية ، وتدمير المعاني الإسلامية الربانية.
ومـنـذ ذلـك الحين إلى الآن قامت دعوات ونهض أفراد ، يرفعون رايات الإصلاح ويبينون مكامن الأخطر كل حسب رأيه وقدراته ومنازعه الثقافية.
وكان دعــاة الإصلاح - وما زالوا - كل له رأيه في الإسلام ، فكان أن جعلته طائفة أساساً لعملها ، وطـائفـة تجاهلته ، وطائفة اختارت منه أشياء ورفضت واستبعدت أشياء يدفعها إلى ذلك التـحـكــم المحض تارة ، أو الانهزام أمام الأفكار الوافدة تارة أخرى ، أو الغرور مرات كثيرة.
على أن الأمر الذي آثار - ويثير - البلبلة في الأفكار ، وخاصة أفكار الشباب هو أن أغلب رواد الإصلاح كانوا يـرفـعـون راية الدين ، ويدعون أنهم على الجادة التي ترك محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسـلــم- أصـحـابه عليها ، مع أن أغلب أولئك الرواة قد شابت مسالكهم الشوائب ، وخالطت منهاجهم أمور غريبة كانت نتيجة تصور غير صافٍ للمنهج الإسلامي الأصيل.
وهذه الدراسة التي نقدم لها تتناول هذه الـقـضـيــة الخـطـيرة ، قضية التجديد والإصلاح ، وتصب في صميم تحديد المنهج الذي يجب أن ينتهجه المسلمون ، حتى يخرجوا مما هم فيه من الضعف العقائدي ، ويرتفعوا عن وهدة الذل والهوان التي صاروا إليها.
وقد طرح هذا الموضوع الحساس على بساط البحث قديماً وحـديـثــاً ، وتناولته طائفتان من الكتاب:
1- طائفة يمكن أن نطلق عليها اسم (هواة الكتابة )، حيث وجدوا هذا الموضوع مستطرفاً ، فتناوله إشبـاعــاً لهواية الكتابة عندهم لا انطلاقاً من شعور مُلِحَ ، وإحساس تفاعلي بينهم وبين الواقع.
2- وطائفة من العلماء الأعلام تعرضت له تعرضاً خفيفاً حسب ما يقتضيه ما هم بصدده من بيان المراد بالجملة لا بالتفصيل ، وشرح لمضمون حديث (المجدِّد) حينما يعرض في دواوين السنة.
وهذه أول دراســة عـلـمـيـــة - فيما نعلم - لموضوع التجديد والمجددين ، مستوعبةً له ، مقصورة عليه ، دفع إليها الإحـسـاس بالحاجة إليه في هذا الوقت الذي توالت فيه المحن والشدائد على حَمَلَةِ هذا الدين ، وقـلَّ العلم وكَثُرت الدعوة ، وتعددت اللافتات المرفوعة.
وسيجد القارئ أسباب اعتبارنا هذه الـدراســة واعتدادنا بها مبثوثة في ثنايا البحث الذي سننشره على حلقات في هذه المجلة - إن شـاء الله - ، ومـن أبرز هذه الأسباب: الحرص على الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله ، مع بيان مـبـلـغ حديث من الصحة عند الاستشهاد ونقل أقوال العلماء المحققين ، وتقديم دراسة تاريـخـية لأبرز المجددين ، مع ربط هذه الأمور بواقع عصرنا.
وسيكون من خطة المجلة أن تتبنى كتباً أو أبحاثاً مسلسلة ثم يصــار إلـى طـبعها في كتاب يكون موازياً للمجلة.
التجديد في الإسلام
- التحرير -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ، ونستـعـينه ، ونسـتـغـفـره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
إن العالم الذي نعيش فيه تصطرع فيه العقائد والأفكار ، وتتصادم المـبـادئ والآراء ، وقـد اقتضت سنة الله في هذا الـكـون أن يـكـون الـصـراع بـين الخـير والـشـر صراعاً مستمراً ما استمرت الحياة ، وإن الإسلام الذي هو خير كله ، ولذلك اختاره الله ديناً للبشرية ، لن يترك من قبل قوى الشر ، ولا تزال شياطين الإنس والجن تواجهه بشتى الأسلحة منذ أن بُعث محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم الناس هذا.
وإن أخطر الأخطار التي تهدد هذا الدين ما كان داخلياً نابعاً من صفوف متبعيه ، فالذي يتتبع حركة هذا الدين في التاريخ يجد مصداق ذلك ، فكل أنواع الإخفاق والانهزام التي مني بها أصحابه كانت أسبابها الرئيسية ترجــع إلى تـراخٍ في التمسك بهذه العقيدة ، أو عدم وضوح التصورات والأهداف يعتري الناس ، أو غفلة عن مبدئية هذا الدين في خضم تصارع القوى والأفكار حوله. وكل العلامات المضيئة في مسيرته التاريخية ترجع إلى انتباه المسلمين إلى ما يملكون من رصيد مــادي ومـعنوي حيث يعتزون بدينهم, ويشعرون بفداحة الأخطاء التي تهددهم من خلال استهداف الأعداء دينَهــم فـيـجتمعون على هدف موحد، ويسيرون إليه بخطاً واثقة يستهدفون كتاب ربهم وسنة نبيهم -صـلـى اللـه علـيه وسلم-، ويستلهمون معاني القوى والاعتزاز وكراهية الظلم بشتى أشكاله من ذلك الرصـيــد العظيم وقد اقـتـضـت حـكـمـة الله أن يكون العلماء هم الرواد الذين يحملون النور في الظـلـمـــات الحالكة، وأن يكون علمهم هو الهادي للمسلمين حين تطبق عليهم الخطوب وتـفـدحـهـــم المصائب ، فيبثون بهذا العلم الثقة في النفوس المهزومة ويبعثون الأمل الضاحك في القـلوب المقهورة ، ويشخصون الداء ويصفون الدواء بحكمة الطبيب النطاسي.
ومـنذ أواسط القرن التاسع عشر المسيحي بدأ المسلمون بالتنبه لواقـعـهم الـذي آلـوا إلـيـه: تراجع في القوى، وتشـتـت وتـفـرق، ومـلـوك وولاة أنـهـكـوا شـعـوبـهـم بظلمهم وعسفهم واستبدادهم، وأماتوا فيهم عوامل الوثوب والمقاومة، حتى غدوا جهلاء فقراء إلى جـانــب أمم الغرب التي استعدت عليهم، وبدأت تهددهم، وأخيراً قضت على آخر كيان سياســي كان يتكلم باسم هذا الدين وهو الدولة العثمانية ، وتمكنت من أن تسيطر على بـلـدانـهــم وثرواتهم ، وتجعلهم وبلدانهم غذاءً لمصانعها وبطونها ، وسوقاً لمنتجاتها ، وقبل كل ذلك وضعت الخطط والبرامج من أجل تغيير عقائد هذه الشعوب ، وقطع صلتها بـتـشـريـعـهــا وقـيـمها وأخـلاقـها، وإحلال عقائد ومناهج الغرب الكافر محلها، فـتقـترب الـعـقــول من العقول، وتردم الهوة السحيقة التي تفصل بين قيم وقيم، وعادات وعادات، فيـسـلـس لها قياد هذه الشعوب ، ويسهل لها تحقيق مطامعها في بسط الهيمنة ورفع الحضارة الـغـربـيـة المسيحية الوثنية ، وتدمير المعاني الإسلامية الربانية.
ومـنـذ ذلـك الحين إلى الآن قامت دعوات ونهض أفراد ، يرفعون رايات الإصلاح ويبينون مكامن الأخطر كل حسب رأيه وقدراته ومنازعه الثقافية.
وكان دعــاة الإصلاح - وما زالوا - كل له رأيه في الإسلام ، فكان أن جعلته طائفة أساساً لعملها ، وطـائفـة تجاهلته ، وطائفة اختارت منه أشياء ورفضت واستبعدت أشياء يدفعها إلى ذلك التـحـكــم المحض تارة ، أو الانهزام أمام الأفكار الوافدة تارة أخرى ، أو الغرور مرات كثيرة.
على أن الأمر الذي آثار - ويثير - البلبلة في الأفكار ، وخاصة أفكار الشباب هو أن أغلب رواد الإصلاح كانوا يـرفـعـون راية الدين ، ويدعون أنهم على الجادة التي ترك محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسـلــم- أصـحـابه عليها ، مع أن أغلب أولئك الرواة قد شابت مسالكهم الشوائب ، وخالطت منهاجهم أمور غريبة كانت نتيجة تصور غير صافٍ للمنهج الإسلامي الأصيل.
وهذه الدراسة التي نقدم لها تتناول هذه الـقـضـيــة الخـطـيرة ، قضية التجديد والإصلاح ، وتصب في صميم تحديد المنهج الذي يجب أن ينتهجه المسلمون ، حتى يخرجوا مما هم فيه من الضعف العقائدي ، ويرتفعوا عن وهدة الذل والهوان التي صاروا إليها.
وقد طرح هذا الموضوع الحساس على بساط البحث قديماً وحـديـثــاً ، وتناولته طائفتان من الكتاب:
1- طائفة يمكن أن نطلق عليها اسم (هواة الكتابة )، حيث وجدوا هذا الموضوع مستطرفاً ، فتناوله إشبـاعــاً لهواية الكتابة عندهم لا انطلاقاً من شعور مُلِحَ ، وإحساس تفاعلي بينهم وبين الواقع.
2- وطائفة من العلماء الأعلام تعرضت له تعرضاً خفيفاً حسب ما يقتضيه ما هم بصدده من بيان المراد بالجملة لا بالتفصيل ، وشرح لمضمون حديث (المجدِّد) حينما يعرض في دواوين السنة.
وهذه أول دراســة عـلـمـيـــة - فيما نعلم - لموضوع التجديد والمجددين ، مستوعبةً له ، مقصورة عليه ، دفع إليها الإحـسـاس بالحاجة إليه في هذا الوقت الذي توالت فيه المحن والشدائد على حَمَلَةِ هذا الدين ، وقـلَّ العلم وكَثُرت الدعوة ، وتعددت اللافتات المرفوعة.
وسيجد القارئ أسباب اعتبارنا هذه الـدراســة واعتدادنا بها مبثوثة في ثنايا البحث الذي سننشره على حلقات في هذه المجلة - إن شـاء الله - ، ومـن أبرز هذه الأسباب: الحرص على الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله ، مع بيان مـبـلـغ حديث من الصحة عند الاستشهاد ونقل أقوال العلماء المحققين ، وتقديم دراسة تاريـخـية لأبرز المجددين ، مع ربط هذه الأمور بواقع عصرنا.
وسيكون من خطة المجلة أن تتبنى كتباً أو أبحاثاً مسلسلة ثم يصــار إلـى طـبعها في كتاب يكون موازياً للمجلة.
4
- التحرير -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ، ونستـعـينه ، ونسـتـغـفـره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
إن العالم الذي نعيش فيه تصطرع فيه العقائد والأفكار ، وتتصادم المـبـادئ والآراء ، وقـد اقتضت سنة الله في هذا الـكـون أن يـكـون الـصـراع بـين الخـير والـشـر صراعاً مستمراً ما استمرت الحياة ، وإن الإسلام الذي هو خير كله ، ولذلك اختاره الله ديناً للبشرية ، لن يترك من قبل قوى الشر ، ولا تزال شياطين الإنس والجن تواجهه بشتى الأسلحة منذ أن بُعث محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم الناس هذا.
وإن أخطر الأخطار التي تهدد هذا الدين ما كان داخلياً نابعاً من صفوف متبعيه ، فالذي يتتبع حركة هذا الدين في التاريخ يجد مصداق ذلك ، فكل أنواع الإخفاق والانهزام التي مني بها أصحابه كانت أسبابها الرئيسية ترجــع إلى تـراخٍ في التمسك بهذه العقيدة ، أو عدم وضوح التصورات والأهداف يعتري الناس ، أو غفلة عن مبدئية هذا الدين في خضم تصارع القوى والأفكار حوله. وكل العلامات المضيئة في مسيرته التاريخية ترجع إلى انتباه المسلمين إلى ما يملكون من رصيد مــادي ومـعنوي حيث يعتزون بدينهم, ويشعرون بفداحة الأخطاء التي تهددهم من خلال استهداف الأعداء دينَهــم فـيـجتمعون على هدف موحد، ويسيرون إليه بخطاً واثقة يستهدفون كتاب ربهم وسنة نبيهم -صـلـى اللـه علـيه وسلم-، ويستلهمون معاني القوى والاعتزاز وكراهية الظلم بشتى أشكاله من ذلك الرصـيــد العظيم وقد اقـتـضـت حـكـمـة الله أن يكون العلماء هم الرواد الذين يحملون النور في الظـلـمـــات الحالكة، وأن يكون علمهم هو الهادي للمسلمين حين تطبق عليهم الخطوب وتـفـدحـهـــم المصائب ، فيبثون بهذا العلم الثقة في النفوس المهزومة ويبعثون الأمل الضاحك في القـلوب المقهورة ، ويشخصون الداء ويصفون الدواء بحكمة الطبيب النطاسي.
ومـنذ أواسط القرن التاسع عشر المسيحي بدأ المسلمون بالتنبه لواقـعـهم الـذي آلـوا إلـيـه: تراجع في القوى، وتشـتـت وتـفـرق، ومـلـوك وولاة أنـهـكـوا شـعـوبـهـم بظلمهم وعسفهم واستبدادهم، وأماتوا فيهم عوامل الوثوب والمقاومة، حتى غدوا جهلاء فقراء إلى جـانــب أمم الغرب التي استعدت عليهم، وبدأت تهددهم، وأخيراً قضت على آخر كيان سياســي كان يتكلم باسم هذا الدين وهو الدولة العثمانية ، وتمكنت من أن تسيطر على بـلـدانـهــم وثرواتهم ، وتجعلهم وبلدانهم غذاءً لمصانعها وبطونها ، وسوقاً لمنتجاتها ، وقبل كل ذلك وضعت الخطط والبرامج من أجل تغيير عقائد هذه الشعوب ، وقطع صلتها بـتـشـريـعـهــا وقـيـمها وأخـلاقـها، وإحلال عقائد ومناهج الغرب الكافر محلها، فـتقـترب الـعـقــول من العقول، وتردم الهوة السحيقة التي تفصل بين قيم وقيم، وعادات وعادات، فيـسـلـس لها قياد هذه الشعوب ، ويسهل لها تحقيق مطامعها في بسط الهيمنة ورفع الحضارة الـغـربـيـة المسيحية الوثنية ، وتدمير المعاني الإسلامية الربانية.
ومـنـذ ذلـك الحين إلى الآن قامت دعوات ونهض أفراد ، يرفعون رايات الإصلاح ويبينون مكامن الأخطر كل حسب رأيه وقدراته ومنازعه الثقافية.
وكان دعــاة الإصلاح - وما زالوا - كل له رأيه في الإسلام ، فكان أن جعلته طائفة أساساً لعملها ، وطـائفـة تجاهلته ، وطائفة اختارت منه أشياء ورفضت واستبعدت أشياء يدفعها إلى ذلك التـحـكــم المحض تارة ، أو الانهزام أمام الأفكار الوافدة تارة أخرى ، أو الغرور مرات كثيرة.
على أن الأمر الذي آثار - ويثير - البلبلة في الأفكار ، وخاصة أفكار الشباب هو أن أغلب رواد الإصلاح كانوا يـرفـعـون راية الدين ، ويدعون أنهم على الجادة التي ترك محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسـلــم- أصـحـابه عليها ، مع أن أغلب أولئك الرواة قد شابت مسالكهم الشوائب ، وخالطت منهاجهم أمور غريبة كانت نتيجة تصور غير صافٍ للمنهج الإسلامي الأصيل.
وهذه الدراسة التي نقدم لها تتناول هذه الـقـضـيــة الخـطـيرة ، قضية التجديد والإصلاح ، وتصب في صميم تحديد المنهج الذي يجب أن ينتهجه المسلمون ، حتى يخرجوا مما هم فيه من الضعف العقائدي ، ويرتفعوا عن وهدة الذل والهوان التي صاروا إليها.
وقد طرح هذا الموضوع الحساس على بساط البحث قديماً وحـديـثــاً ، وتناولته طائفتان من الكتاب:
1- طائفة يمكن أن نطلق عليها اسم (هواة الكتابة )، حيث وجدوا هذا الموضوع مستطرفاً ، فتناوله إشبـاعــاً لهواية الكتابة عندهم لا انطلاقاً من شعور مُلِحَ ، وإحساس تفاعلي بينهم وبين الواقع.
2- وطائفة من العلماء الأعلام تعرضت له تعرضاً خفيفاً حسب ما يقتضيه ما هم بصدده من بيان المراد بالجملة لا بالتفصيل ، وشرح لمضمون حديث (المجدِّد) حينما يعرض في دواوين السنة.
وهذه أول دراســة عـلـمـيـــة - فيما نعلم - لموضوع التجديد والمجددين ، مستوعبةً له ، مقصورة عليه ، دفع إليها الإحـسـاس بالحاجة إليه في هذا الوقت الذي توالت فيه المحن والشدائد على حَمَلَةِ هذا الدين ، وقـلَّ العلم وكَثُرت الدعوة ، وتعددت اللافتات المرفوعة.
وسيجد القارئ أسباب اعتبارنا هذه الـدراســة واعتدادنا بها مبثوثة في ثنايا البحث الذي سننشره على حلقات في هذه المجلة - إن شـاء الله - ، ومـن أبرز هذه الأسباب: الحرص على الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله ، مع بيان مـبـلـغ حديث من الصحة عند الاستشهاد ونقل أقوال العلماء المحققين ، وتقديم دراسة تاريـخـية لأبرز المجددين ، مع ربط هذه الأمور بواقع عصرنا.
وسيكون من خطة المجلة أن تتبنى كتباً أو أبحاثاً مسلسلة ثم يصــار إلـى طـبعها في كتاب يكون موازياً للمجلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق