تأملات دعوية
من أوابد الوعاظ
عبد الله المسلم
تدفع العاطفة القوية صاحبها دفعةً ربـمــــــا أخـلّــت بتوازنه، وربما تحكمت كثيراً فيما يطرحه، وأدت به إلى عدم اتزان، ومبالغات تحوي مخالفات شرعية.
استمعت لأحد الوعاظ الغيورين يتحدث للمصلين مع مـطـلـع شـهــر رمضان حول القنوات الفضائية، وانطلق في حديثه من قوله: (يا باغي الخير أقبل) وأقسم أيْماناً عدة أنه ليس في جميع هؤلاء من يبغي الخير ومن يريده.
إنه وإن كان كثير من هؤلاء يعلن المعصية ويظهرها، إلا أنهم ليسوا في درجة واحدة، وربما كـان فـيـهـم من المصلين البعيدين عن الفواحش والآثام، لكن غلبه هواه، أو ضعفت قوامته على أهله.
وبعـد ذلك بأيـام سمعت آخر يتحدث عن أولئـك الذين لا يشهدون الصلاة مع المسلمين إلا في رمضان، فقال: (والله إنهم يحبون الله ورسوله، ويريدون الخير لكن يغلبهم هواهم) إنه تطرف آخر.
إن المسلم لا يمكن أن يشهد للمصلين الخاشعين أمامه بهذه القضية؛ التي هي قضية قلبية، فكيف يقسم على أن جميع الذين لا يشهدون الصلوات مع المسلمين في غير رمضان يحبون الله ورســولــه؟ أليس التخلف عن صلاة الفجر والعشاء من علامات أهل النفاق بنص كلام النبي؟ فعن أُبـي بـن كـعــب -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً الصبح فقال: (أشاهدٌ فلان؟) قالوا: لا، قال: (أشاهدٌ فلان؟) قالوا: لا، قال: (إن هاتين الصلاتين أثقل الـصـلــوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الرّكب...)(1).
ويذكر الشيخ عبد اللطيف السبكي أن أحد الخطباء في الأزهر خطب حول حديث: (وأتبع الـسـيـئـة الحسنة تمحها)، فهوّن أمر المعصية، وذكر أن الله فطر الناس عليها، حتى قال بالحرف الواحد: (إن الله لم يقل للناس لا تسيئوا، ولكن قال إذا أسأتم فاستغفروا).
إذن فما مـعـنـى أن تكـون السيئة سيئة؟ ومن أين له في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن الله لم يقل للناس: لا تسيئوا؟
وأين هؤلاء عما أُثِر عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: (ألا أنبئكم بالفقيه حق الفقية: من لم يقنط الناس من رحمـــــة الله، ولم يُرخـــــص لهم في معاصي الله، ولم يؤمنهم مكر الله)(2).
لقد غلّب الرجل الأول جانب الخوف، وأشفق مما يرى من كثرة الفساد وطرقه، والأخرون غلّبوا حرصهم على هؤلاء العصاة ورغبتهم في إعادتهم إلى ركاب الطائعين.
فما أجدر الدعاة والوعاظ أن يكونوا معتدلين فيما يطرحونه للناس بأن يعتدلوا في حماسهم لمشروع أو برنامج أو ظاهرة من الظواهر، وأن يعتدلوا حين يخاطبون الناس ويزنوا ألفاظهم بميزان الشرع؛ فالإفراط والمبالغة قد تؤدي إلى نتائج معاكسة لما يريد صاحبها، وسنة الله قائمة في الكون أجمع على الاعتدال.
إن اسـتـخــــدام الأسماء والألفاظ الشرعية، وسعة الثقافة والاطلاع، وعمق النظر للقضايا، والشمول وعدم نظر الأمور من زاوية واحدة، وهدوء الطبع والاتزان، والتربية السليمة، إن ذلك كله يمكن أن يسهم إلى حد كبير في التخفيف من اللغة واللهجة الحادة التي تسيطر على حديث بعضنا أحياناً.
اللهم إنا نسألك السداد في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الهوامش:
(1) رواه أحمد (30758)، وأبو داود (554)، والنسائي (843).
(2) تذكرة الحفاظ (1/13).
من أوابد الوعاظ
عبد الله المسلم
تدفع العاطفة القوية صاحبها دفعةً ربـمــــــا أخـلّــت بتوازنه، وربما تحكمت كثيراً فيما يطرحه، وأدت به إلى عدم اتزان، ومبالغات تحوي مخالفات شرعية.
استمعت لأحد الوعاظ الغيورين يتحدث للمصلين مع مـطـلـع شـهــر رمضان حول القنوات الفضائية، وانطلق في حديثه من قوله: (يا باغي الخير أقبل) وأقسم أيْماناً عدة أنه ليس في جميع هؤلاء من يبغي الخير ومن يريده.
إنه وإن كان كثير من هؤلاء يعلن المعصية ويظهرها، إلا أنهم ليسوا في درجة واحدة، وربما كـان فـيـهـم من المصلين البعيدين عن الفواحش والآثام، لكن غلبه هواه، أو ضعفت قوامته على أهله.
وبعـد ذلك بأيـام سمعت آخر يتحدث عن أولئـك الذين لا يشهدون الصلاة مع المسلمين إلا في رمضان، فقال: (والله إنهم يحبون الله ورسوله، ويريدون الخير لكن يغلبهم هواهم) إنه تطرف آخر.
إن المسلم لا يمكن أن يشهد للمصلين الخاشعين أمامه بهذه القضية؛ التي هي قضية قلبية، فكيف يقسم على أن جميع الذين لا يشهدون الصلوات مع المسلمين في غير رمضان يحبون الله ورســولــه؟ أليس التخلف عن صلاة الفجر والعشاء من علامات أهل النفاق بنص كلام النبي؟ فعن أُبـي بـن كـعــب -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً الصبح فقال: (أشاهدٌ فلان؟) قالوا: لا، قال: (أشاهدٌ فلان؟) قالوا: لا، قال: (إن هاتين الصلاتين أثقل الـصـلــوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الرّكب...)(1).
ويذكر الشيخ عبد اللطيف السبكي أن أحد الخطباء في الأزهر خطب حول حديث: (وأتبع الـسـيـئـة الحسنة تمحها)، فهوّن أمر المعصية، وذكر أن الله فطر الناس عليها، حتى قال بالحرف الواحد: (إن الله لم يقل للناس لا تسيئوا، ولكن قال إذا أسأتم فاستغفروا).
إذن فما مـعـنـى أن تكـون السيئة سيئة؟ ومن أين له في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن الله لم يقل للناس: لا تسيئوا؟
وأين هؤلاء عما أُثِر عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: (ألا أنبئكم بالفقيه حق الفقية: من لم يقنط الناس من رحمـــــة الله، ولم يُرخـــــص لهم في معاصي الله، ولم يؤمنهم مكر الله)(2).
لقد غلّب الرجل الأول جانب الخوف، وأشفق مما يرى من كثرة الفساد وطرقه، والأخرون غلّبوا حرصهم على هؤلاء العصاة ورغبتهم في إعادتهم إلى ركاب الطائعين.
فما أجدر الدعاة والوعاظ أن يكونوا معتدلين فيما يطرحونه للناس بأن يعتدلوا في حماسهم لمشروع أو برنامج أو ظاهرة من الظواهر، وأن يعتدلوا حين يخاطبون الناس ويزنوا ألفاظهم بميزان الشرع؛ فالإفراط والمبالغة قد تؤدي إلى نتائج معاكسة لما يريد صاحبها، وسنة الله قائمة في الكون أجمع على الاعتدال.
إن اسـتـخــــدام الأسماء والألفاظ الشرعية، وسعة الثقافة والاطلاع، وعمق النظر للقضايا، والشمول وعدم نظر الأمور من زاوية واحدة، وهدوء الطبع والاتزان، والتربية السليمة، إن ذلك كله يمكن أن يسهم إلى حد كبير في التخفيف من اللغة واللهجة الحادة التي تسيطر على حديث بعضنا أحياناً.
اللهم إنا نسألك السداد في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الهوامش:
(1) رواه أحمد (30758)، وأبو داود (554)، والنسائي (843).
(2) تذكرة الحفاظ (1/13).
تأملات دعوية
من أوابد الوعاظ
عبد الله المسلم
تدفع العاطفة القوية صاحبها دفعةً ربـمــــــا أخـلّــت بتوازنه، وربما تحكمت كثيراً فيما يطرحه، وأدت به إلى عدم اتزان، ومبالغات تحوي مخالفات شرعية.
استمعت لأحد الوعاظ الغيورين يتحدث للمصلين مع مـطـلـع شـهــر رمضان حول القنوات الفضائية، وانطلق في حديثه من قوله: (يا باغي الخير أقبل) وأقسم أيْماناً عدة أنه ليس في جميع هؤلاء من يبغي الخير ومن يريده.
إنه وإن كان كثير من هؤلاء يعلن المعصية ويظهرها، إلا أنهم ليسوا في درجة واحدة، وربما كـان فـيـهـم من المصلين البعيدين عن الفواحش والآثام، لكن غلبه هواه، أو ضعفت قوامته على أهله.
وبعـد ذلك بأيـام سمعت آخر يتحدث عن أولئـك الذين لا يشهدون الصلاة مع المسلمين إلا في رمضان، فقال: (والله إنهم يحبون الله ورسوله، ويريدون الخير لكن يغلبهم هواهم) إنه تطرف آخر.
إن المسلم لا يمكن أن يشهد للمصلين الخاشعين أمامه بهذه القضية؛ التي هي قضية قلبية، فكيف يقسم على أن جميع الذين لا يشهدون الصلوات مع المسلمين في غير رمضان يحبون الله ورســولــه؟ أليس التخلف عن صلاة الفجر والعشاء من علامات أهل النفاق بنص كلام النبي؟ فعن أُبـي بـن كـعــب -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً الصبح فقال: (أشاهدٌ فلان؟) قالوا: لا، قال: (أشاهدٌ فلان؟) قالوا: لا، قال: (إن هاتين الصلاتين أثقل الـصـلــوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الرّكب...)(1).
ويذكر الشيخ عبد اللطيف السبكي أن أحد الخطباء في الأزهر خطب حول حديث: (وأتبع الـسـيـئـة الحسنة تمحها)، فهوّن أمر المعصية، وذكر أن الله فطر الناس عليها، حتى قال بالحرف الواحد: (إن الله لم يقل للناس لا تسيئوا، ولكن قال إذا أسأتم فاستغفروا).
إذن فما مـعـنـى أن تكـون السيئة سيئة؟ ومن أين له في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن الله لم يقل للناس: لا تسيئوا؟
وأين هؤلاء عما أُثِر عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: (ألا أنبئكم بالفقيه حق الفقية: من لم يقنط الناس من رحمـــــة الله، ولم يُرخـــــص لهم في معاصي الله، ولم يؤمنهم مكر الله)(2).
لقد غلّب الرجل الأول جانب الخوف، وأشفق مما يرى من كثرة الفساد وطرقه، والأخرون غلّبوا حرصهم على هؤلاء العصاة ورغبتهم في إعادتهم إلى ركاب الطائعين.
فما أجدر الدعاة والوعاظ أن يكونوا معتدلين فيما يطرحونه للناس بأن يعتدلوا في حماسهم لمشروع أو برنامج أو ظاهرة من الظواهر، وأن يعتدلوا حين يخاطبون الناس ويزنوا ألفاظهم بميزان الشرع؛ فالإفراط والمبالغة قد تؤدي إلى نتائج معاكسة لما يريد صاحبها، وسنة الله قائمة في الكون أجمع على الاعتدال.
إن اسـتـخــــدام الأسماء والألفاظ الشرعية، وسعة الثقافة والاطلاع، وعمق النظر للقضايا، والشمول وعدم نظر الأمور من زاوية واحدة، وهدوء الطبع والاتزان، والتربية السليمة، إن ذلك كله يمكن أن يسهم إلى حد كبير في التخفيف من اللغة واللهجة الحادة التي تسيطر على حديث بعضنا أحياناً.
اللهم إنا نسألك السداد في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الهوامش:
(1) رواه أحمد (30758)، وأبو داود (554)، والنسائي (843).
(2) تذكرة الحفاظ (1/13).
4
من أوابد الوعاظ
عبد الله المسلم
تدفع العاطفة القوية صاحبها دفعةً ربـمــــــا أخـلّــت بتوازنه، وربما تحكمت كثيراً فيما يطرحه، وأدت به إلى عدم اتزان، ومبالغات تحوي مخالفات شرعية.
استمعت لأحد الوعاظ الغيورين يتحدث للمصلين مع مـطـلـع شـهــر رمضان حول القنوات الفضائية، وانطلق في حديثه من قوله: (يا باغي الخير أقبل) وأقسم أيْماناً عدة أنه ليس في جميع هؤلاء من يبغي الخير ومن يريده.
إنه وإن كان كثير من هؤلاء يعلن المعصية ويظهرها، إلا أنهم ليسوا في درجة واحدة، وربما كـان فـيـهـم من المصلين البعيدين عن الفواحش والآثام، لكن غلبه هواه، أو ضعفت قوامته على أهله.
وبعـد ذلك بأيـام سمعت آخر يتحدث عن أولئـك الذين لا يشهدون الصلاة مع المسلمين إلا في رمضان، فقال: (والله إنهم يحبون الله ورسوله، ويريدون الخير لكن يغلبهم هواهم) إنه تطرف آخر.
إن المسلم لا يمكن أن يشهد للمصلين الخاشعين أمامه بهذه القضية؛ التي هي قضية قلبية، فكيف يقسم على أن جميع الذين لا يشهدون الصلوات مع المسلمين في غير رمضان يحبون الله ورســولــه؟ أليس التخلف عن صلاة الفجر والعشاء من علامات أهل النفاق بنص كلام النبي؟ فعن أُبـي بـن كـعــب -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً الصبح فقال: (أشاهدٌ فلان؟) قالوا: لا، قال: (أشاهدٌ فلان؟) قالوا: لا، قال: (إن هاتين الصلاتين أثقل الـصـلــوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الرّكب...)(1).
ويذكر الشيخ عبد اللطيف السبكي أن أحد الخطباء في الأزهر خطب حول حديث: (وأتبع الـسـيـئـة الحسنة تمحها)، فهوّن أمر المعصية، وذكر أن الله فطر الناس عليها، حتى قال بالحرف الواحد: (إن الله لم يقل للناس لا تسيئوا، ولكن قال إذا أسأتم فاستغفروا).
إذن فما مـعـنـى أن تكـون السيئة سيئة؟ ومن أين له في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن الله لم يقل للناس: لا تسيئوا؟
وأين هؤلاء عما أُثِر عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: (ألا أنبئكم بالفقيه حق الفقية: من لم يقنط الناس من رحمـــــة الله، ولم يُرخـــــص لهم في معاصي الله، ولم يؤمنهم مكر الله)(2).
لقد غلّب الرجل الأول جانب الخوف، وأشفق مما يرى من كثرة الفساد وطرقه، والأخرون غلّبوا حرصهم على هؤلاء العصاة ورغبتهم في إعادتهم إلى ركاب الطائعين.
فما أجدر الدعاة والوعاظ أن يكونوا معتدلين فيما يطرحونه للناس بأن يعتدلوا في حماسهم لمشروع أو برنامج أو ظاهرة من الظواهر، وأن يعتدلوا حين يخاطبون الناس ويزنوا ألفاظهم بميزان الشرع؛ فالإفراط والمبالغة قد تؤدي إلى نتائج معاكسة لما يريد صاحبها، وسنة الله قائمة في الكون أجمع على الاعتدال.
إن اسـتـخــــدام الأسماء والألفاظ الشرعية، وسعة الثقافة والاطلاع، وعمق النظر للقضايا، والشمول وعدم نظر الأمور من زاوية واحدة، وهدوء الطبع والاتزان، والتربية السليمة، إن ذلك كله يمكن أن يسهم إلى حد كبير في التخفيف من اللغة واللهجة الحادة التي تسيطر على حديث بعضنا أحياناً.
اللهم إنا نسألك السداد في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الهوامش:
(1) رواه أحمد (30758)، وأبو داود (554)، والنسائي (843).
(2) تذكرة الحفاظ (1/13).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق