الافتتاحية
التوحيد والتوحُّد
رئيس التحرير
لماذا يتحلّق أهل الباطل حول باطلهم ، ويتعصبون له ، ويؤلفون في سبيله الأحزاب ، ويقيمون له الدعايات ويجمعون الأموال لتنفق من أجله ؟ ولماذا يتبع كثير من الناس رؤوس البدع والانحراف ، ويستميتون في الذب عنهم ، وتجميع الأنصار حولهم ؟ إننا نجد هذا لدى كثير من الفرق التي انحرفت ، أو خرجت عن سنن الإسلام ، ونظرة فاحصة إلى أعياد المبتدعة التي يجتمعون عليها ، أو مؤسساتهم المنظمة الكبرى ، أو محاولاتهم المتكررة للتغلغل بين صفوف أهل السنة ، هي خير دليل على أحوالهم ، وصحة ما يقال عن اجتماعاتهم على الباطل .
لماذا لا نجد مثل هذا التجمع ومثل هذا التكتل والالتفاف حول العلماء والدعاة من أهل السنة والجماعة ؟ ولماذا لا نجد هذا الحرص البالغ على نشر الإسلام الحق ، والتبشير به ؟ سؤال طالما حير أولي الألباب ، وفكر فيه المخلصون ، وتعجبوا وتساءلوا قائلين : أيقام للبدع سوق وترفع لها رايات ، وأهل السنة عن هذا غافلون ؟ الغريب الغريب هو أن أهل السنة ليس لهم قضية ، ولا قيادة ، والأغرب من ذلك أن خاصة أهل السنة الذين ينادون بمنهج الاتباع ، ويحاربون الابتداع ، متفرقون لا تجمعهم وحدة ، ولا يعصمهم عن التشرذم تفكير في مصلحة الإسلام ومآل أمر المسلمين .. إن معالجة هذه الأزمة المستعصية بحاجة إلى بيان وبسط لا تحتمله هذه الصفحات ، ولكننا نحاول الإلمام بطرف فنقول : إن أهل البدع والخرافات يجتمعون على بدعهم ورؤسائهم لانعدام تحملهم وتفكيرهم ، وهم الذين تأتي بهم الكلمة والإشارة ، ويغويهم دجال من الدجاجلة ، ويغريهم بالترخص واتباع الأهواء والشهوات ، والإنسان العاميّ يميل بطبعه إلى المحسوسات والأمور المادية ؛ فعندما تقام له النصب ، وتعقد معه الاجتماعات الباهرة ، وعندما تدغدع عواطفه بمآس تاريخية ؛ لا يلبث أن ينقاد إليها لأنه ليس صاحب علم ينفع أو عقل يردع .
وأما أهل السنة فهم أهل الإسلام ، وقد جاء الإسلام بالتوحيد الخالص ، وأعظم أغراضه محو الشرك ، وعبادة الله وحده ، وليس عبادة الأشخاص أو الأشياء ، فلقد جاء الإسلام لإنقاذ الناس من اتباع الشعوذة والخرافة ، ودعا إلى التربية الاستقلالية لشخصية الإنسان ، وأرشد إلى طريق الصواب أولئك الذين يتبعون أهواءهم ، أو يقتفون آثار الآباء عن جهل وتقليد أعمى ، أو يلقون القول بلا علم أو برهان .
وكانت الآيات القرآنية تعلّم المسلم النهج الصحيح ، وتوقفه على اضطراب عقائد المشركين وتناقضهم .
وهذا المنهج يرفع المسلمين إلى مستوى العلم النافع الصحيح ، الذي يؤدي بدوره إلى اجتماعهم ووحدتهم ، قال الله تعالى داعياً المسلمين إلى التفكير في أمر العبادات التي لا تعود على المعبود بنفع أو ضر : [ ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ومَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ] [الذاريات 57] ، وقال عن المشركين : [ والَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ][النحل20- 21] ، [ أَفَمَن يَهْدِي إلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إلاَّ أَن يُهْدَى ][يونس 35] ، [ إنَّ الَذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ ...
] [الأعراف 194] .
كل هذا يدل على أن أهل السنة لا يجتمعون إلا إذا كانوا على مستوى الإسلام ، من الفطرة السليمة والتحقق بالتوحيد الخالص ، والعقل الراجح ، والأفق الواسع ومعرفة سنن الله في الخلق كما يروى عن الشعبي -رحمه الله- : » إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان : العقل والنسك ، فإن كان عاقلاً ولم يكن ناسكاً قال : هذا أمر لا يناله إلا النساك وإن كان ناسكاً ولم يكن عاقلاً قال : هذا أمر لا يناله إلا العقلاء فلن أطلبه « [1] .
إن أصحاب التربية الاستقلالية هم الذين لا تضيق صدورهم بالرأي الاجتهادي ولا يتعصبون لشخص أو لجماعة ، وينظرون دائماً إلى المستقبل والمآل ، ويضعون المصلحة العامة فوق مصالحهم وفوق أنانياتهم .
والفرد الذي يربى على الفهم الصحيح للنصوص لا يكون من دعاة التفرق لأنه سوف يفكر في مصلحة الإسلام ، أما الذي ربُّي تربية ضيقة فهو لا يرى الدنيا إلا من خلال شيخه أو جماعته أو حزبه .
إن أصحاب السياسات الدنيوية يؤلفون أحزاباً ويجمعون لها الجموع وربما ينجحون ، وإن أصحاب البدع وأتباع الخرافات يؤلفون تجمعات ؛ وقد ينجحون ، وما ذلك إلا لأنهم اجتمعوا على شيء محدد في أذهانهم ، وأما أهل السنة فإذا لم يكونوا على مستوى الإسلام فقد تفوتهم أسباب الوحدة والقوة .
________________________
(1) سير أعلام النبلاء 4/307 .
التوحيد والتوحُّد
رئيس التحرير
لماذا يتحلّق أهل الباطل حول باطلهم ، ويتعصبون له ، ويؤلفون في سبيله الأحزاب ، ويقيمون له الدعايات ويجمعون الأموال لتنفق من أجله ؟ ولماذا يتبع كثير من الناس رؤوس البدع والانحراف ، ويستميتون في الذب عنهم ، وتجميع الأنصار حولهم ؟ إننا نجد هذا لدى كثير من الفرق التي انحرفت ، أو خرجت عن سنن الإسلام ، ونظرة فاحصة إلى أعياد المبتدعة التي يجتمعون عليها ، أو مؤسساتهم المنظمة الكبرى ، أو محاولاتهم المتكررة للتغلغل بين صفوف أهل السنة ، هي خير دليل على أحوالهم ، وصحة ما يقال عن اجتماعاتهم على الباطل .
لماذا لا نجد مثل هذا التجمع ومثل هذا التكتل والالتفاف حول العلماء والدعاة من أهل السنة والجماعة ؟ ولماذا لا نجد هذا الحرص البالغ على نشر الإسلام الحق ، والتبشير به ؟ سؤال طالما حير أولي الألباب ، وفكر فيه المخلصون ، وتعجبوا وتساءلوا قائلين : أيقام للبدع سوق وترفع لها رايات ، وأهل السنة عن هذا غافلون ؟ الغريب الغريب هو أن أهل السنة ليس لهم قضية ، ولا قيادة ، والأغرب من ذلك أن خاصة أهل السنة الذين ينادون بمنهج الاتباع ، ويحاربون الابتداع ، متفرقون لا تجمعهم وحدة ، ولا يعصمهم عن التشرذم تفكير في مصلحة الإسلام ومآل أمر المسلمين .. إن معالجة هذه الأزمة المستعصية بحاجة إلى بيان وبسط لا تحتمله هذه الصفحات ، ولكننا نحاول الإلمام بطرف فنقول : إن أهل البدع والخرافات يجتمعون على بدعهم ورؤسائهم لانعدام تحملهم وتفكيرهم ، وهم الذين تأتي بهم الكلمة والإشارة ، ويغويهم دجال من الدجاجلة ، ويغريهم بالترخص واتباع الأهواء والشهوات ، والإنسان العاميّ يميل بطبعه إلى المحسوسات والأمور المادية ؛ فعندما تقام له النصب ، وتعقد معه الاجتماعات الباهرة ، وعندما تدغدع عواطفه بمآس تاريخية ؛ لا يلبث أن ينقاد إليها لأنه ليس صاحب علم ينفع أو عقل يردع .
وأما أهل السنة فهم أهل الإسلام ، وقد جاء الإسلام بالتوحيد الخالص ، وأعظم أغراضه محو الشرك ، وعبادة الله وحده ، وليس عبادة الأشخاص أو الأشياء ، فلقد جاء الإسلام لإنقاذ الناس من اتباع الشعوذة والخرافة ، ودعا إلى التربية الاستقلالية لشخصية الإنسان ، وأرشد إلى طريق الصواب أولئك الذين يتبعون أهواءهم ، أو يقتفون آثار الآباء عن جهل وتقليد أعمى ، أو يلقون القول بلا علم أو برهان .
وكانت الآيات القرآنية تعلّم المسلم النهج الصحيح ، وتوقفه على اضطراب عقائد المشركين وتناقضهم .
وهذا المنهج يرفع المسلمين إلى مستوى العلم النافع الصحيح ، الذي يؤدي بدوره إلى اجتماعهم ووحدتهم ، قال الله تعالى داعياً المسلمين إلى التفكير في أمر العبادات التي لا تعود على المعبود بنفع أو ضر : [ ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ومَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ] [الذاريات 57] ، وقال عن المشركين : [ والَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ][النحل20- 21] ، [ أَفَمَن يَهْدِي إلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إلاَّ أَن يُهْدَى ][يونس 35] ، [ إنَّ الَذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ ...
] [الأعراف 194] .
كل هذا يدل على أن أهل السنة لا يجتمعون إلا إذا كانوا على مستوى الإسلام ، من الفطرة السليمة والتحقق بالتوحيد الخالص ، والعقل الراجح ، والأفق الواسع ومعرفة سنن الله في الخلق كما يروى عن الشعبي -رحمه الله- : » إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان : العقل والنسك ، فإن كان عاقلاً ولم يكن ناسكاً قال : هذا أمر لا يناله إلا النساك وإن كان ناسكاً ولم يكن عاقلاً قال : هذا أمر لا يناله إلا العقلاء فلن أطلبه « [1] .
إن أصحاب التربية الاستقلالية هم الذين لا تضيق صدورهم بالرأي الاجتهادي ولا يتعصبون لشخص أو لجماعة ، وينظرون دائماً إلى المستقبل والمآل ، ويضعون المصلحة العامة فوق مصالحهم وفوق أنانياتهم .
والفرد الذي يربى على الفهم الصحيح للنصوص لا يكون من دعاة التفرق لأنه سوف يفكر في مصلحة الإسلام ، أما الذي ربُّي تربية ضيقة فهو لا يرى الدنيا إلا من خلال شيخه أو جماعته أو حزبه .
إن أصحاب السياسات الدنيوية يؤلفون أحزاباً ويجمعون لها الجموع وربما ينجحون ، وإن أصحاب البدع وأتباع الخرافات يؤلفون تجمعات ؛ وقد ينجحون ، وما ذلك إلا لأنهم اجتمعوا على شيء محدد في أذهانهم ، وأما أهل السنة فإذا لم يكونوا على مستوى الإسلام فقد تفوتهم أسباب الوحدة والقوة .
________________________
(1) سير أعلام النبلاء 4/307 .
الافتتاحية
التوحيد والتوحُّد
رئيس التحرير
لماذا يتحلّق أهل الباطل حول باطلهم ، ويتعصبون له ، ويؤلفون في سبيله الأحزاب ، ويقيمون له الدعايات ويجمعون الأموال لتنفق من أجله ؟ ولماذا يتبع كثير من الناس رؤوس البدع والانحراف ، ويستميتون في الذب عنهم ، وتجميع الأنصار حولهم ؟ إننا نجد هذا لدى كثير من الفرق التي انحرفت ، أو خرجت عن سنن الإسلام ، ونظرة فاحصة إلى أعياد المبتدعة التي يجتمعون عليها ، أو مؤسساتهم المنظمة الكبرى ، أو محاولاتهم المتكررة للتغلغل بين صفوف أهل السنة ، هي خير دليل على أحوالهم ، وصحة ما يقال عن اجتماعاتهم على الباطل .
لماذا لا نجد مثل هذا التجمع ومثل هذا التكتل والالتفاف حول العلماء والدعاة من أهل السنة والجماعة ؟ ولماذا لا نجد هذا الحرص البالغ على نشر الإسلام الحق ، والتبشير به ؟ سؤال طالما حير أولي الألباب ، وفكر فيه المخلصون ، وتعجبوا وتساءلوا قائلين : أيقام للبدع سوق وترفع لها رايات ، وأهل السنة عن هذا غافلون ؟ الغريب الغريب هو أن أهل السنة ليس لهم قضية ، ولا قيادة ، والأغرب من ذلك أن خاصة أهل السنة الذين ينادون بمنهج الاتباع ، ويحاربون الابتداع ، متفرقون لا تجمعهم وحدة ، ولا يعصمهم عن التشرذم تفكير في مصلحة الإسلام ومآل أمر المسلمين .. إن معالجة هذه الأزمة المستعصية بحاجة إلى بيان وبسط لا تحتمله هذه الصفحات ، ولكننا نحاول الإلمام بطرف فنقول : إن أهل البدع والخرافات يجتمعون على بدعهم ورؤسائهم لانعدام تحملهم وتفكيرهم ، وهم الذين تأتي بهم الكلمة والإشارة ، ويغويهم دجال من الدجاجلة ، ويغريهم بالترخص واتباع الأهواء والشهوات ، والإنسان العاميّ يميل بطبعه إلى المحسوسات والأمور المادية ؛ فعندما تقام له النصب ، وتعقد معه الاجتماعات الباهرة ، وعندما تدغدع عواطفه بمآس تاريخية ؛ لا يلبث أن ينقاد إليها لأنه ليس صاحب علم ينفع أو عقل يردع .
وأما أهل السنة فهم أهل الإسلام ، وقد جاء الإسلام بالتوحيد الخالص ، وأعظم أغراضه محو الشرك ، وعبادة الله وحده ، وليس عبادة الأشخاص أو الأشياء ، فلقد جاء الإسلام لإنقاذ الناس من اتباع الشعوذة والخرافة ، ودعا إلى التربية الاستقلالية لشخصية الإنسان ، وأرشد إلى طريق الصواب أولئك الذين يتبعون أهواءهم ، أو يقتفون آثار الآباء عن جهل وتقليد أعمى ، أو يلقون القول بلا علم أو برهان .
وكانت الآيات القرآنية تعلّم المسلم النهج الصحيح ، وتوقفه على اضطراب عقائد المشركين وتناقضهم .
وهذا المنهج يرفع المسلمين إلى مستوى العلم النافع الصحيح ، الذي يؤدي بدوره إلى اجتماعهم ووحدتهم ، قال الله تعالى داعياً المسلمين إلى التفكير في أمر العبادات التي لا تعود على المعبود بنفع أو ضر : [ ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ومَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ] [الذاريات 57] ، وقال عن المشركين : [ والَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ][النحل20- 21] ، [ أَفَمَن يَهْدِي إلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إلاَّ أَن يُهْدَى ][يونس 35] ، [ إنَّ الَذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ ...
] [الأعراف 194] .
كل هذا يدل على أن أهل السنة لا يجتمعون إلا إذا كانوا على مستوى الإسلام ، من الفطرة السليمة والتحقق بالتوحيد الخالص ، والعقل الراجح ، والأفق الواسع ومعرفة سنن الله في الخلق كما يروى عن الشعبي -رحمه الله- : » إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان : العقل والنسك ، فإن كان عاقلاً ولم يكن ناسكاً قال : هذا أمر لا يناله إلا النساك وإن كان ناسكاً ولم يكن عاقلاً قال : هذا أمر لا يناله إلا العقلاء فلن أطلبه « [1] .
إن أصحاب التربية الاستقلالية هم الذين لا تضيق صدورهم بالرأي الاجتهادي ولا يتعصبون لشخص أو لجماعة ، وينظرون دائماً إلى المستقبل والمآل ، ويضعون المصلحة العامة فوق مصالحهم وفوق أنانياتهم .
والفرد الذي يربى على الفهم الصحيح للنصوص لا يكون من دعاة التفرق لأنه سوف يفكر في مصلحة الإسلام ، أما الذي ربُّي تربية ضيقة فهو لا يرى الدنيا إلا من خلال شيخه أو جماعته أو حزبه .
إن أصحاب السياسات الدنيوية يؤلفون أحزاباً ويجمعون لها الجموع وربما ينجحون ، وإن أصحاب البدع وأتباع الخرافات يؤلفون تجمعات ؛ وقد ينجحون ، وما ذلك إلا لأنهم اجتمعوا على شيء محدد في أذهانهم ، وأما أهل السنة فإذا لم يكونوا على مستوى الإسلام فقد تفوتهم أسباب الوحدة والقوة .
________________________
(1) سير أعلام النبلاء 4/307 .
4
التوحيد والتوحُّد
رئيس التحرير
لماذا يتحلّق أهل الباطل حول باطلهم ، ويتعصبون له ، ويؤلفون في سبيله الأحزاب ، ويقيمون له الدعايات ويجمعون الأموال لتنفق من أجله ؟ ولماذا يتبع كثير من الناس رؤوس البدع والانحراف ، ويستميتون في الذب عنهم ، وتجميع الأنصار حولهم ؟ إننا نجد هذا لدى كثير من الفرق التي انحرفت ، أو خرجت عن سنن الإسلام ، ونظرة فاحصة إلى أعياد المبتدعة التي يجتمعون عليها ، أو مؤسساتهم المنظمة الكبرى ، أو محاولاتهم المتكررة للتغلغل بين صفوف أهل السنة ، هي خير دليل على أحوالهم ، وصحة ما يقال عن اجتماعاتهم على الباطل .
لماذا لا نجد مثل هذا التجمع ومثل هذا التكتل والالتفاف حول العلماء والدعاة من أهل السنة والجماعة ؟ ولماذا لا نجد هذا الحرص البالغ على نشر الإسلام الحق ، والتبشير به ؟ سؤال طالما حير أولي الألباب ، وفكر فيه المخلصون ، وتعجبوا وتساءلوا قائلين : أيقام للبدع سوق وترفع لها رايات ، وأهل السنة عن هذا غافلون ؟ الغريب الغريب هو أن أهل السنة ليس لهم قضية ، ولا قيادة ، والأغرب من ذلك أن خاصة أهل السنة الذين ينادون بمنهج الاتباع ، ويحاربون الابتداع ، متفرقون لا تجمعهم وحدة ، ولا يعصمهم عن التشرذم تفكير في مصلحة الإسلام ومآل أمر المسلمين .. إن معالجة هذه الأزمة المستعصية بحاجة إلى بيان وبسط لا تحتمله هذه الصفحات ، ولكننا نحاول الإلمام بطرف فنقول : إن أهل البدع والخرافات يجتمعون على بدعهم ورؤسائهم لانعدام تحملهم وتفكيرهم ، وهم الذين تأتي بهم الكلمة والإشارة ، ويغويهم دجال من الدجاجلة ، ويغريهم بالترخص واتباع الأهواء والشهوات ، والإنسان العاميّ يميل بطبعه إلى المحسوسات والأمور المادية ؛ فعندما تقام له النصب ، وتعقد معه الاجتماعات الباهرة ، وعندما تدغدع عواطفه بمآس تاريخية ؛ لا يلبث أن ينقاد إليها لأنه ليس صاحب علم ينفع أو عقل يردع .
وأما أهل السنة فهم أهل الإسلام ، وقد جاء الإسلام بالتوحيد الخالص ، وأعظم أغراضه محو الشرك ، وعبادة الله وحده ، وليس عبادة الأشخاص أو الأشياء ، فلقد جاء الإسلام لإنقاذ الناس من اتباع الشعوذة والخرافة ، ودعا إلى التربية الاستقلالية لشخصية الإنسان ، وأرشد إلى طريق الصواب أولئك الذين يتبعون أهواءهم ، أو يقتفون آثار الآباء عن جهل وتقليد أعمى ، أو يلقون القول بلا علم أو برهان .
وكانت الآيات القرآنية تعلّم المسلم النهج الصحيح ، وتوقفه على اضطراب عقائد المشركين وتناقضهم .
وهذا المنهج يرفع المسلمين إلى مستوى العلم النافع الصحيح ، الذي يؤدي بدوره إلى اجتماعهم ووحدتهم ، قال الله تعالى داعياً المسلمين إلى التفكير في أمر العبادات التي لا تعود على المعبود بنفع أو ضر : [ ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ومَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ] [الذاريات 57] ، وقال عن المشركين : [ والَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ][النحل20- 21] ، [ أَفَمَن يَهْدِي إلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إلاَّ أَن يُهْدَى ][يونس 35] ، [ إنَّ الَذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ ...
] [الأعراف 194] .
كل هذا يدل على أن أهل السنة لا يجتمعون إلا إذا كانوا على مستوى الإسلام ، من الفطرة السليمة والتحقق بالتوحيد الخالص ، والعقل الراجح ، والأفق الواسع ومعرفة سنن الله في الخلق كما يروى عن الشعبي -رحمه الله- : » إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان : العقل والنسك ، فإن كان عاقلاً ولم يكن ناسكاً قال : هذا أمر لا يناله إلا النساك وإن كان ناسكاً ولم يكن عاقلاً قال : هذا أمر لا يناله إلا العقلاء فلن أطلبه « [1] .
إن أصحاب التربية الاستقلالية هم الذين لا تضيق صدورهم بالرأي الاجتهادي ولا يتعصبون لشخص أو لجماعة ، وينظرون دائماً إلى المستقبل والمآل ، ويضعون المصلحة العامة فوق مصالحهم وفوق أنانياتهم .
والفرد الذي يربى على الفهم الصحيح للنصوص لا يكون من دعاة التفرق لأنه سوف يفكر في مصلحة الإسلام ، أما الذي ربُّي تربية ضيقة فهو لا يرى الدنيا إلا من خلال شيخه أو جماعته أو حزبه .
إن أصحاب السياسات الدنيوية يؤلفون أحزاباً ويجمعون لها الجموع وربما ينجحون ، وإن أصحاب البدع وأتباع الخرافات يؤلفون تجمعات ؛ وقد ينجحون ، وما ذلك إلا لأنهم اجتمعوا على شيء محدد في أذهانهم ، وأما أهل السنة فإذا لم يكونوا على مستوى الإسلام فقد تفوتهم أسباب الوحدة والقوة .
________________________
(1) سير أعلام النبلاء 4/307 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق