شروط لا إله إلا الله قولا وفعلا
عثمان جمعة ضميرية
إن كلمة التوحيد ، التي سبق الحديث عن معناها ، جعلها الله تعالى عنوان
الدخول في الإسلام ، وثمن الجنة ومفتاحها ، كما جعلها سبب النجاة من النار ومغفرة
الذنوب .
وتواردت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه المعاني : فمنها : ما
جعل الإتيان بالشهادتين سببًا لدخول الجنة ، وعدم احتجاب قائلها عنها ، فإن النار لا
يخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص ، وقد يدخل الجنة ولا يحجب عنها إذا طهر
من ذنوبه بالنار :
فعن عبادة بن الصامت ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يقول : » من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وأن
عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، وأن الجنة حق
والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل « [1] ، وفي رواية : » أدخله
الله الجنة من أي أبواب الجنة الثمانية شاء « .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول-صلى الله عليه وسلم- قال :
»يا أبا هريرة اذهب بنعلي هاتين -وأعطاه نعليه - فمن لقيت من وراء هذا الحائط
يشهد أن لا إله إلا الله ، مستيقنًا بها قلبه ، فبشره بالجنة « [2] .
وعنه أيضاً ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : » أشهد أن لا إله إلا
الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله عبد غير شاك ، فيحجب عن الجنة « [3] ، وفي
رواية له أيضاً : » إلا دخل الجنة « .
وعن عثمان ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
» من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة « [4] .
وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قال : » ما من عبد قال لا إله إلا الله ، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة «
قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : » وإن زنى وإن سرق ثلاثاً « ثم قال في
الرابعة : » على رغم أنف أبي ذر « قال : فخرج أبو ذر وهو يقول : وإن رَغِمَ
أنف أبي ذر [5] .
ومعنى هذا الحديث : أن الزنى والسرقة لا يمنعان دخول الجنة مع التوحيد ،
وهذا حق لا مرية فيه ، وليس فيه أنه لا يعذب عليهما مع التوحيد [6] ، ففي مسند
البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا : » لا إله إلا الله نفعته يومًا من
دهره ، يصيبه قبل ذلك ما أصابه « [7] .
ومن الأحاديث النبوية ما جاء بيانًا لتحريم دخول النار على من أتى
بالشهادتين ، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام في حديث معاذ رضي الله عنه : » ما
من عبد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه
الله على النار « [8] .
وفي حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قال : » إن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله ، يبتغي بذلك وجه
الله « [9] إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية الشريفة [10] .
وقد يصاب بعض الناس بالغفلة عن حقيقة التوحيد وشرط النجاة ، ويغتر
بكلمة يديرها على لسانه ، دون أن يفقه معناها ، يظنها مفتاحًا للجنة ، بمجرد نطقها
باللسان ، غافلاً عن شروطها التي ينبغي أن تتحقق ، ومقتضياتها التي ينبغي أن
يعمل بها ، لتكون مفتاحًا صالحًا لفتح أبواب الجنة الثمانية .
وشهادة التوحيد هذه ، سبب لدخول الجنة ، والنجاة من النار ، ومقتضى لذلك ،
ولكن المقتضى لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه ، فقد يختلف
عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه ، أو لوجود مانع من الموانع ، وهذا قول
الحسن البصري ووهب بن منبه ، رحمهما الله .
فقد قيل للحسن البصري رحمه الله ؛ إن أناسًا يقولون : من قال : لا إله إلا
الله دخل الجنة ؟ فقال : من قال لا إله إلا الله ، فأدى حقها وفرضها دخل الجنة .
وقال للفرزدق وهو يدفن امرأته : ما أعددت لهذا اليوم ؟ قال : شهادة أن لا
إله إلا الله ، منذ سبعين سنة ، فقال الحسن : نعم العدة ، لكن لـ " لا إله إلا الله "
شروطاً ، فإياك وقذف المحصنة !
وقيل لوهب بن منبه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، ولكن ما
من مفتاح إلا له أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك [11] .
ويدل على صحة هذا القول : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رتب دخول
الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص : فعن أبي أيوب الأنصاري
رضي الله عنه ، أن رجلاً قال : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة . فقال :
»تعبد الله لا تشرك به شيئًا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم«[12].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رجلاً قال : يا رسول الله دلني على
عمل إذا عملته دخلت الجنة . قال : » تعبد الله لا تشرك به شيئًا ، وتقيم الصلاة
المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان « فقال الرجل : والذي نفسي
بيده ، لا أزيد على هذا شيئاً ، ولا أنقص منه . فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
» من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا « [13] .
وقد تواردت مع ذلك آيات وأحاديث تبين توقف دخول الجنة والنجاة من النار
على من فعل الفرائض واجتنب المحارم ، فصارت تلك الأحاديث السابقة مفسرة
مبينة ، وينبغي أن يؤخذ بالبيان والمبين معًا ، ولا يجوز إعمال بعض النصوص
والأدلة وإهمال سائرها [14] .
ومن القواعد المقررة : أن المطلق يحمل على المقيد ، فإذا جاءت نصوص
مطلقة ، وجاءت نصوص أخرى متحدة معها في الحكم والسبب ، فإنه يحمل النص
المطلق على المقيد . والأحاديث التي جاءت تبين أن دخول الجنة وتحريم النار
معلق على شهادة ( أن لا إله إلا الله ) ، وهذه الأحاديث المطلقة جاءت أحاديث
أخرى تقيدها . ففي بعضها :
من قال: » لا إله إلا الله مخلصًا ... « ، وفي بعضها: » مستيقناً بها قلبه ..«
وفي بعضها: » صدق لسانه .. « ، وفي بعضها: » يقولها حقا من قلبه ..«.. الخ .
وكذلك علقت الأحاديث دخول الجنة على: ( العلم بمعنى لا إله إلا الله)
ونصوص أخرى تبين الثبات على هذه الكلمة ، ونصوص أخرى تدل على
وجوب الخضوع لمدلولها .. إلخ .
ومما سبق كله استنبط العلماء رحمهم الله تعالى شروطًا لابد من توافرها ، مع
انتفاء الموانع ، حتى تكون كلمة " لا إله إلا الله " مفتاحًا للجنة ، وهذه الشروط هي
أسنان المفتاح ، ولابد من أخذها مجتمعة ، فإن شرطًا منها لا يغني عن سائر
الشروط .
ولعل هذه الشروط تكون واضحة من الإشارات التي سنشير إليها في هذه
العجالة ، فاحرص عليها - أيها المسلم - وتحقق بها ، لئلا تقف أمام باب الجنة
فترد ، لأنه لا يفتح لك !
1- إن لكل شيء حقيقة ، ولكل كلمة معنى ، فينبغي أولاً : أن تعلم معنى
كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) علمًا منافيًا للجهل بها ، في النفي والإثبات، فهي تنفي
الألوهية عن غير الله تعالى وتثبتها له سبحانه ، فلا معبود بحق إلا الله ، وقد سبق
ذلك وافيا في بيان ( مفتاح الجنة ) سابقًا .
ومن الأدلة على هذا الشرط : قول الله تعالى : ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ
واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [ [سورة محمد : 19] .
] شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ والْمَلائِكَةُ وأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ [ [ آل
عمران/18] ] إلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ [ [ الزخرف : 86 ] .
وأخرج مسلم عن عثمان رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- : » من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة « . ويكتمل هذا
الشرط بما يليه ، وهو الشرط الثاني .
2- اليقين المنافي للشك : ومعنى ذلك أن تستيقن يقينًا جازمًا بمدلول كلمة
التوحيد ، لأنها لا تقبل شكًا ، ولا ظنًا ، ولا ترددًا ولا ارتيابًا ، بل ينبغي أن تقوم
على اليقين القاطع الجازم . فقد قال الله تعالى في وصف المؤمنين الصادقين :
] إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ [الحجرات : 15 ] .
فلا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين ، بل لابد من استيقان القلب ، والبعد عن
الشد ، فإن لم يحصل هذا اليقين فهو النفاق ، والمنافقون هم الذين ارتابت قلوبهم ،
قال الله تعالى : ] إنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ
فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ [ [التوبة : 45] .
وقد سبق آنفًا حديثان في ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وفيهما :
»أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد ، غير شاك فيهما إلا
دخل الجنة « وفي رواية » فيحجب عن الجنة « . » ومن لقيت وراء هذا
الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه .. « .
3- وإذا علمت ، وتيقنت ، فينبغي أن يكون لهذا العلم اليقيني أثره ، فيتحقق
الشرط الثالث وهو : القبول لما اقتضته هذه الكلمة ، بالقلب واللسان : فمن رد دعوة
التوحيد ولم يقبلها كان كافرًا ، سواء كان ذلك الرد بسبب الكبر أو العناد أو الحسد ،
وقد قال الله سبحانه وتعالى عن الكفار الذين ردوها استكبارًا ] إنَّهُمْ كَانُوا إذَا قِيلَ لَهُمْ
لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * ويَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ؟ [
[الصافات : 35 - 36] .
أما المؤمنون الذين قبلوا هذه الكلمة وعملوا بمقتضاها فلهم النجاة عند الله
تعالى ، وعدًا منه ، لا يخلف الله وعده : ] ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقاًّ
عَلَيْنَا نُنْجِ المُؤْمِنِينَ [ [يونس : 103] .
وهم أصحاب المثل الطيب ، الذين ينتفعون بما جاء به الرسول عليه الصلاة
والسلام من الهدى والعلم . فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، عن-صلى
الله عليه وسلم- قال : » مثل ما بعثني به الله من الهدى والعلم ، كمثل الغيث الكثير
أصاب أرضًا ، فكان منها نقية قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت
منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس ، فشربوا وسقوا وزرعوا . وأصاب
منها طائفة أخرى ، إنما هي قيعان ، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً . فذلك مثل من فقه
في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم
يقبل هدى الله الذي أرسلت به « [15] .
4- أما الشرط الرابع : الانقياد للتوحيد الذي دلت عليه هذه الكلمة العظيمة ،
انقيادًا تامًا ، وهذا الانقياد والخضوع هو المحك الحقيقي للإيمان وهو المظهر العملي
له .
ويتحقق هذا ويحصل بالعمل بما شرعه الله تعالى ، وبترك ما نهى عنه ،
وذلك هو الإسلام حقيقة ، إذ هو : أن يسلم العبد ويستسلم بقلبه وجوارحه لله تعالى ،
وينقاد له بالتوحيد والطاعة ، كما قال سبحانه : ] ومَن يُسْلِمْ وجْهَهُ إلَى اللَّهِ وهُوَ
مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى [ [لقمان : 22] .
وأقسم سبحانه وتعالى بنفسه أنه لا يؤمن المرء حتى ينقاد لحكم الله وحكم
رسوله : ] فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ [النساء : 65] . وحتى ميول الإنسان
وما يهواه ، ينبغي أن يكون من وراء ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-
وتابعًا له : » لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به « [16] ، وهذا هو
تمام الانقياد وغايته .
5- الشرط الخامس : الصدق في قول كلمة التوحيد ، صدقاً منافيًا للكذب
والنفاق ، حيث يجب أن يواطئ قلبه لسانه ويوافقه ، فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم،
ولكن لم يطابق هذا القول ما في قلوبهم ، فصار قولهم كذبًا ونفاقًا مخالفًا للإيمان ،
ونزلوا في الدرك الأسفل من النار : ] يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [
[الفتح :11] ] وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم
بِمُؤْمِنِينَ [8] يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [9]
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [
[البقرة : 8-10] ..
في آيات كثيرة وسور بمجملها في القرآن الكريم تتحدث عنهم .
وفي الصحيحين : » ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله .. صدقًا من قلبه إلا
حرمه الله على النار « فاشترط الصدق من القلب ، كما اشترطه في قوله لضمام بن
ثعلبة : » إن صدق ليدخلن الجنة « [17] .
6- المحبة ، وهي الشرط السادس فحب المؤمن هذه الكلمة ، ويحب العمل
بمقتضاها ويحب أهلها العاملين بها ، وإلا لم يتحقق الإيمان ولم تكتب له النجاة ،
ومن أحب شيئًا من دون الله فقد جعله لله ندًا : ] ومِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ
أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباً لِّلَّهِ [ [البقرة : 165] .
وعلاقة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه ، وموالاة من والى الله
ورسوله ، ومعاداة من عاداه واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- واقتفاء أثره
وقبول هداه ، وهذه كلها شروط في المحبة لا تتحقق إلا بها [18] ، وهى مؤشر
على حب الله للعبد بعد ذلك .
ومتى استقرت هذه الكلمة في النفس والقلب ، فإنه لا يعدلها شيء ، ولا يفضل
عليها ، فإن حبها يملأ القلب فلا يتسع لغيرها ، وعندئذ يجد حلاوة الإيمان :
»ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما
سواه ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن
يقذف في النار « [19] .
وحتى لو تحققت تلك الشروط السابقة كلها ، ولكنها فقدت الروح فيها وفقدت
سبب القبول عند الله ، فإنها لا تنفع صاحبها ما لم يحقق سبب ذلك القبول ، وهو
الشرط السابع .
7- الإخلاص ، و معناه : صدق التوجه إلى الله تعالى وتصفية العمل بصالح
النية ، من كل شائبة من شوائب الشرك وألوانه .
وقد تواردت الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة ، تؤكد هذا
الشرط ، وتجعله سببًا لقبول الأعمال عند الله تعالى . قال الله سبحانه وتعالى :
]ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ
وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ [ [البينة : 5] ] فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ [ [الزمر : 2] .
وفي حديث عتبان بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-» إن الله حرم
على النار من قال : لا إله إلا الله ، يبتغي بذلك وجه الله عز وجل [20] .
والآيات والأحاديث في الإخلاص كثيرة جدًا، فهو سبب القبول عند الله عز
وجل ، فلا يقبل الله تعالى من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه وموافقًا لشرعه.
8-ومع هذه الشروط مجتمعة ، لابد من الإقامة على هذه الكلمة ، ليختم للعبد
بها ختامًا حسنًا ، فإنما الأعمال بالخواتيم ، ففي حديث مسلم عن أبي هريرة رضي
الله عنه ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : » إن الرجل ليعمل الزمان
الطويل بعمل أهل الجنة ، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار ، وإن الرجل ليعمل
الزمان الطويل بعمل أهل النار ، ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة «
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، عند الشيخين » .. فوالذي لا إله
غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق
عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها « .
وقد أمر الله تعالى بالإقامة على الإسلام والتوحيد : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [ [ آل عمران : 102] .
وقد جاءت الأحاديث الشريفة تبين هذا المعنى : عن عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- » من مات يشرك بالله شيئًا
دخل النار « وقلت أنا : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة « [21] .
وفي حديث أبي ذر: » ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا
دخل الجنة « [22] .
فاحرص أيها المسلم على كلمة التوحيد بشروطها تلك ، واحذر من كل ما
ينافيها ، فإن ما ينافيها ويوقع في الشرك قد يكون أخفى من دبيب النمل .
قال ابن القيم رحمه الله ، في قصيدته النونية ، مشيرًا إلى أسنان هذا المفتاح
الذي تفتح به أبواب الجنة ، وهي العمل بشرائع الإسلام ، وتحقيق تلك الشروط
السابقة ، فقال :
هذا ، وفتحُ الباب ليس بممكن إلا بمفتاح على أسنان
مفتاحه بشهادة الإخلاص والتو حيد ، تلك شهادة الإيمان
أسنانه الأعمال ، وهو شرائع الـ إسلام ، والمفتاح بالأسنان
لا تلغين هذا المثال فكم به من حل إشكال لذي العرفان
________________________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء ، ومسلم في كتاب الإيمان .
(2) أخرجه مسلم في الإيمان .
(3) المرجع السابق .
(4) المرجع السابق .
(5) أخرجه البخاري في كتاب اللباس ، ومسلم في الإيمان .
(6) كلمة الإخلاص وتحقيق معناها ، لابن رجب ص 12 .
(7) قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح ، مجمع الزوائد 1/17 .
(8) أخرجه البخاري في العلم ، ومسلم في الإيمان .
(9) قطعة من حديث أخرجه البخاري في الصلاة ، ومسلم في المساجد .
(10) انظر : تهذيب مدارج السالكين لابن القيم : ص 187 .
(11) أخرجه البخاري تعليقًا في الجنائز .
(12) أخرجه البخاري في الأدب ، ومسلم في الإيمان .
(13) أخرجه البخاري في الزكاة ، ومسلم في الإيمان .
(14) انظر : كلمة الإخلاص وتحقيق معناها لابن رجب الحنبلي ص 31- 22 فهذه المعاني مأخوذة
منه .
(15) أخرجه البخاري ، كتاب العلم ، ومسلم ، كتاب الفضائل .
(16) قال النووي في الأربعين النووية : حديث حسن صحيح ، جامع العلوم والحكم ، ص 364 -365
.
(17) أخرجه البخاري في الزكاة ، ومسلم في الإيمان .
(18) معارج القبول للشيخ حافظ حكمي رحمه الله 1/383 .
(19) متفق عليه .
(20) متفق عليه .
(21) أخرجهما الشيخان .
(22) أخرجهما الشيخان .
(( مجلة البيان ـ العدد [10] صــ 34 جمادى الآخرة 1408 ـ فبراير 1988 ))
عثمان جمعة ضميرية
إن كلمة التوحيد ، التي سبق الحديث عن معناها ، جعلها الله تعالى عنوان
الدخول في الإسلام ، وثمن الجنة ومفتاحها ، كما جعلها سبب النجاة من النار ومغفرة
الذنوب .
وتواردت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه المعاني : فمنها : ما
جعل الإتيان بالشهادتين سببًا لدخول الجنة ، وعدم احتجاب قائلها عنها ، فإن النار لا
يخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص ، وقد يدخل الجنة ولا يحجب عنها إذا طهر
من ذنوبه بالنار :
فعن عبادة بن الصامت ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يقول : » من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وأن
عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، وأن الجنة حق
والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل « [1] ، وفي رواية : » أدخله
الله الجنة من أي أبواب الجنة الثمانية شاء « .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول-صلى الله عليه وسلم- قال :
»يا أبا هريرة اذهب بنعلي هاتين -وأعطاه نعليه - فمن لقيت من وراء هذا الحائط
يشهد أن لا إله إلا الله ، مستيقنًا بها قلبه ، فبشره بالجنة « [2] .
وعنه أيضاً ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : » أشهد أن لا إله إلا
الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله عبد غير شاك ، فيحجب عن الجنة « [3] ، وفي
رواية له أيضاً : » إلا دخل الجنة « .
وعن عثمان ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
» من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة « [4] .
وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قال : » ما من عبد قال لا إله إلا الله ، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة «
قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : » وإن زنى وإن سرق ثلاثاً « ثم قال في
الرابعة : » على رغم أنف أبي ذر « قال : فخرج أبو ذر وهو يقول : وإن رَغِمَ
أنف أبي ذر [5] .
ومعنى هذا الحديث : أن الزنى والسرقة لا يمنعان دخول الجنة مع التوحيد ،
وهذا حق لا مرية فيه ، وليس فيه أنه لا يعذب عليهما مع التوحيد [6] ، ففي مسند
البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا : » لا إله إلا الله نفعته يومًا من
دهره ، يصيبه قبل ذلك ما أصابه « [7] .
ومن الأحاديث النبوية ما جاء بيانًا لتحريم دخول النار على من أتى
بالشهادتين ، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام في حديث معاذ رضي الله عنه : » ما
من عبد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه
الله على النار « [8] .
وفي حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قال : » إن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله ، يبتغي بذلك وجه
الله « [9] إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية الشريفة [10] .
وقد يصاب بعض الناس بالغفلة عن حقيقة التوحيد وشرط النجاة ، ويغتر
بكلمة يديرها على لسانه ، دون أن يفقه معناها ، يظنها مفتاحًا للجنة ، بمجرد نطقها
باللسان ، غافلاً عن شروطها التي ينبغي أن تتحقق ، ومقتضياتها التي ينبغي أن
يعمل بها ، لتكون مفتاحًا صالحًا لفتح أبواب الجنة الثمانية .
وشهادة التوحيد هذه ، سبب لدخول الجنة ، والنجاة من النار ، ومقتضى لذلك ،
ولكن المقتضى لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه ، فقد يختلف
عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه ، أو لوجود مانع من الموانع ، وهذا قول
الحسن البصري ووهب بن منبه ، رحمهما الله .
فقد قيل للحسن البصري رحمه الله ؛ إن أناسًا يقولون : من قال : لا إله إلا
الله دخل الجنة ؟ فقال : من قال لا إله إلا الله ، فأدى حقها وفرضها دخل الجنة .
وقال للفرزدق وهو يدفن امرأته : ما أعددت لهذا اليوم ؟ قال : شهادة أن لا
إله إلا الله ، منذ سبعين سنة ، فقال الحسن : نعم العدة ، لكن لـ " لا إله إلا الله "
شروطاً ، فإياك وقذف المحصنة !
وقيل لوهب بن منبه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، ولكن ما
من مفتاح إلا له أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك [11] .
ويدل على صحة هذا القول : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رتب دخول
الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص : فعن أبي أيوب الأنصاري
رضي الله عنه ، أن رجلاً قال : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة . فقال :
»تعبد الله لا تشرك به شيئًا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم«[12].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رجلاً قال : يا رسول الله دلني على
عمل إذا عملته دخلت الجنة . قال : » تعبد الله لا تشرك به شيئًا ، وتقيم الصلاة
المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان « فقال الرجل : والذي نفسي
بيده ، لا أزيد على هذا شيئاً ، ولا أنقص منه . فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
» من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا « [13] .
وقد تواردت مع ذلك آيات وأحاديث تبين توقف دخول الجنة والنجاة من النار
على من فعل الفرائض واجتنب المحارم ، فصارت تلك الأحاديث السابقة مفسرة
مبينة ، وينبغي أن يؤخذ بالبيان والمبين معًا ، ولا يجوز إعمال بعض النصوص
والأدلة وإهمال سائرها [14] .
ومن القواعد المقررة : أن المطلق يحمل على المقيد ، فإذا جاءت نصوص
مطلقة ، وجاءت نصوص أخرى متحدة معها في الحكم والسبب ، فإنه يحمل النص
المطلق على المقيد . والأحاديث التي جاءت تبين أن دخول الجنة وتحريم النار
معلق على شهادة ( أن لا إله إلا الله ) ، وهذه الأحاديث المطلقة جاءت أحاديث
أخرى تقيدها . ففي بعضها :
من قال: » لا إله إلا الله مخلصًا ... « ، وفي بعضها: » مستيقناً بها قلبه ..«
وفي بعضها: » صدق لسانه .. « ، وفي بعضها: » يقولها حقا من قلبه ..«.. الخ .
وكذلك علقت الأحاديث دخول الجنة على: ( العلم بمعنى لا إله إلا الله)
ونصوص أخرى تبين الثبات على هذه الكلمة ، ونصوص أخرى تدل على
وجوب الخضوع لمدلولها .. إلخ .
ومما سبق كله استنبط العلماء رحمهم الله تعالى شروطًا لابد من توافرها ، مع
انتفاء الموانع ، حتى تكون كلمة " لا إله إلا الله " مفتاحًا للجنة ، وهذه الشروط هي
أسنان المفتاح ، ولابد من أخذها مجتمعة ، فإن شرطًا منها لا يغني عن سائر
الشروط .
ولعل هذه الشروط تكون واضحة من الإشارات التي سنشير إليها في هذه
العجالة ، فاحرص عليها - أيها المسلم - وتحقق بها ، لئلا تقف أمام باب الجنة
فترد ، لأنه لا يفتح لك !
1- إن لكل شيء حقيقة ، ولكل كلمة معنى ، فينبغي أولاً : أن تعلم معنى
كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) علمًا منافيًا للجهل بها ، في النفي والإثبات، فهي تنفي
الألوهية عن غير الله تعالى وتثبتها له سبحانه ، فلا معبود بحق إلا الله ، وقد سبق
ذلك وافيا في بيان ( مفتاح الجنة ) سابقًا .
ومن الأدلة على هذا الشرط : قول الله تعالى : ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ
واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [ [سورة محمد : 19] .
] شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ والْمَلائِكَةُ وأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ [ [ آل
عمران/18] ] إلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ [ [ الزخرف : 86 ] .
وأخرج مسلم عن عثمان رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- : » من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة « . ويكتمل هذا
الشرط بما يليه ، وهو الشرط الثاني .
2- اليقين المنافي للشك : ومعنى ذلك أن تستيقن يقينًا جازمًا بمدلول كلمة
التوحيد ، لأنها لا تقبل شكًا ، ولا ظنًا ، ولا ترددًا ولا ارتيابًا ، بل ينبغي أن تقوم
على اليقين القاطع الجازم . فقد قال الله تعالى في وصف المؤمنين الصادقين :
] إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ [الحجرات : 15 ] .
فلا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين ، بل لابد من استيقان القلب ، والبعد عن
الشد ، فإن لم يحصل هذا اليقين فهو النفاق ، والمنافقون هم الذين ارتابت قلوبهم ،
قال الله تعالى : ] إنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ
فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ [ [التوبة : 45] .
وقد سبق آنفًا حديثان في ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وفيهما :
»أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد ، غير شاك فيهما إلا
دخل الجنة « وفي رواية » فيحجب عن الجنة « . » ومن لقيت وراء هذا
الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه .. « .
3- وإذا علمت ، وتيقنت ، فينبغي أن يكون لهذا العلم اليقيني أثره ، فيتحقق
الشرط الثالث وهو : القبول لما اقتضته هذه الكلمة ، بالقلب واللسان : فمن رد دعوة
التوحيد ولم يقبلها كان كافرًا ، سواء كان ذلك الرد بسبب الكبر أو العناد أو الحسد ،
وقد قال الله سبحانه وتعالى عن الكفار الذين ردوها استكبارًا ] إنَّهُمْ كَانُوا إذَا قِيلَ لَهُمْ
لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * ويَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ؟ [
[الصافات : 35 - 36] .
أما المؤمنون الذين قبلوا هذه الكلمة وعملوا بمقتضاها فلهم النجاة عند الله
تعالى ، وعدًا منه ، لا يخلف الله وعده : ] ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقاًّ
عَلَيْنَا نُنْجِ المُؤْمِنِينَ [ [يونس : 103] .
وهم أصحاب المثل الطيب ، الذين ينتفعون بما جاء به الرسول عليه الصلاة
والسلام من الهدى والعلم . فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، عن-صلى
الله عليه وسلم- قال : » مثل ما بعثني به الله من الهدى والعلم ، كمثل الغيث الكثير
أصاب أرضًا ، فكان منها نقية قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت
منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس ، فشربوا وسقوا وزرعوا . وأصاب
منها طائفة أخرى ، إنما هي قيعان ، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً . فذلك مثل من فقه
في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم
يقبل هدى الله الذي أرسلت به « [15] .
4- أما الشرط الرابع : الانقياد للتوحيد الذي دلت عليه هذه الكلمة العظيمة ،
انقيادًا تامًا ، وهذا الانقياد والخضوع هو المحك الحقيقي للإيمان وهو المظهر العملي
له .
ويتحقق هذا ويحصل بالعمل بما شرعه الله تعالى ، وبترك ما نهى عنه ،
وذلك هو الإسلام حقيقة ، إذ هو : أن يسلم العبد ويستسلم بقلبه وجوارحه لله تعالى ،
وينقاد له بالتوحيد والطاعة ، كما قال سبحانه : ] ومَن يُسْلِمْ وجْهَهُ إلَى اللَّهِ وهُوَ
مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى [ [لقمان : 22] .
وأقسم سبحانه وتعالى بنفسه أنه لا يؤمن المرء حتى ينقاد لحكم الله وحكم
رسوله : ] فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ [النساء : 65] . وحتى ميول الإنسان
وما يهواه ، ينبغي أن يكون من وراء ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-
وتابعًا له : » لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به « [16] ، وهذا هو
تمام الانقياد وغايته .
5- الشرط الخامس : الصدق في قول كلمة التوحيد ، صدقاً منافيًا للكذب
والنفاق ، حيث يجب أن يواطئ قلبه لسانه ويوافقه ، فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم،
ولكن لم يطابق هذا القول ما في قلوبهم ، فصار قولهم كذبًا ونفاقًا مخالفًا للإيمان ،
ونزلوا في الدرك الأسفل من النار : ] يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [
[الفتح :11] ] وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم
بِمُؤْمِنِينَ [8] يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [9]
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [
[البقرة : 8-10] ..
في آيات كثيرة وسور بمجملها في القرآن الكريم تتحدث عنهم .
وفي الصحيحين : » ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله .. صدقًا من قلبه إلا
حرمه الله على النار « فاشترط الصدق من القلب ، كما اشترطه في قوله لضمام بن
ثعلبة : » إن صدق ليدخلن الجنة « [17] .
6- المحبة ، وهي الشرط السادس فحب المؤمن هذه الكلمة ، ويحب العمل
بمقتضاها ويحب أهلها العاملين بها ، وإلا لم يتحقق الإيمان ولم تكتب له النجاة ،
ومن أحب شيئًا من دون الله فقد جعله لله ندًا : ] ومِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ
أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباً لِّلَّهِ [ [البقرة : 165] .
وعلاقة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه ، وموالاة من والى الله
ورسوله ، ومعاداة من عاداه واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- واقتفاء أثره
وقبول هداه ، وهذه كلها شروط في المحبة لا تتحقق إلا بها [18] ، وهى مؤشر
على حب الله للعبد بعد ذلك .
ومتى استقرت هذه الكلمة في النفس والقلب ، فإنه لا يعدلها شيء ، ولا يفضل
عليها ، فإن حبها يملأ القلب فلا يتسع لغيرها ، وعندئذ يجد حلاوة الإيمان :
»ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما
سواه ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن
يقذف في النار « [19] .
وحتى لو تحققت تلك الشروط السابقة كلها ، ولكنها فقدت الروح فيها وفقدت
سبب القبول عند الله ، فإنها لا تنفع صاحبها ما لم يحقق سبب ذلك القبول ، وهو
الشرط السابع .
7- الإخلاص ، و معناه : صدق التوجه إلى الله تعالى وتصفية العمل بصالح
النية ، من كل شائبة من شوائب الشرك وألوانه .
وقد تواردت الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة ، تؤكد هذا
الشرط ، وتجعله سببًا لقبول الأعمال عند الله تعالى . قال الله سبحانه وتعالى :
]ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ
وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ [ [البينة : 5] ] فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ [ [الزمر : 2] .
وفي حديث عتبان بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-» إن الله حرم
على النار من قال : لا إله إلا الله ، يبتغي بذلك وجه الله عز وجل [20] .
والآيات والأحاديث في الإخلاص كثيرة جدًا، فهو سبب القبول عند الله عز
وجل ، فلا يقبل الله تعالى من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه وموافقًا لشرعه.
8-ومع هذه الشروط مجتمعة ، لابد من الإقامة على هذه الكلمة ، ليختم للعبد
بها ختامًا حسنًا ، فإنما الأعمال بالخواتيم ، ففي حديث مسلم عن أبي هريرة رضي
الله عنه ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : » إن الرجل ليعمل الزمان
الطويل بعمل أهل الجنة ، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار ، وإن الرجل ليعمل
الزمان الطويل بعمل أهل النار ، ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة «
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، عند الشيخين » .. فوالذي لا إله
غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق
عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها « .
وقد أمر الله تعالى بالإقامة على الإسلام والتوحيد : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [ [ آل عمران : 102] .
وقد جاءت الأحاديث الشريفة تبين هذا المعنى : عن عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- » من مات يشرك بالله شيئًا
دخل النار « وقلت أنا : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة « [21] .
وفي حديث أبي ذر: » ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا
دخل الجنة « [22] .
فاحرص أيها المسلم على كلمة التوحيد بشروطها تلك ، واحذر من كل ما
ينافيها ، فإن ما ينافيها ويوقع في الشرك قد يكون أخفى من دبيب النمل .
قال ابن القيم رحمه الله ، في قصيدته النونية ، مشيرًا إلى أسنان هذا المفتاح
الذي تفتح به أبواب الجنة ، وهي العمل بشرائع الإسلام ، وتحقيق تلك الشروط
السابقة ، فقال :
هذا ، وفتحُ الباب ليس بممكن إلا بمفتاح على أسنان
مفتاحه بشهادة الإخلاص والتو حيد ، تلك شهادة الإيمان
أسنانه الأعمال ، وهو شرائع الـ إسلام ، والمفتاح بالأسنان
لا تلغين هذا المثال فكم به من حل إشكال لذي العرفان
________________________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء ، ومسلم في كتاب الإيمان .
(2) أخرجه مسلم في الإيمان .
(3) المرجع السابق .
(4) المرجع السابق .
(5) أخرجه البخاري في كتاب اللباس ، ومسلم في الإيمان .
(6) كلمة الإخلاص وتحقيق معناها ، لابن رجب ص 12 .
(7) قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح ، مجمع الزوائد 1/17 .
(8) أخرجه البخاري في العلم ، ومسلم في الإيمان .
(9) قطعة من حديث أخرجه البخاري في الصلاة ، ومسلم في المساجد .
(10) انظر : تهذيب مدارج السالكين لابن القيم : ص 187 .
(11) أخرجه البخاري تعليقًا في الجنائز .
(12) أخرجه البخاري في الأدب ، ومسلم في الإيمان .
(13) أخرجه البخاري في الزكاة ، ومسلم في الإيمان .
(14) انظر : كلمة الإخلاص وتحقيق معناها لابن رجب الحنبلي ص 31- 22 فهذه المعاني مأخوذة
منه .
(15) أخرجه البخاري ، كتاب العلم ، ومسلم ، كتاب الفضائل .
(16) قال النووي في الأربعين النووية : حديث حسن صحيح ، جامع العلوم والحكم ، ص 364 -365
.
(17) أخرجه البخاري في الزكاة ، ومسلم في الإيمان .
(18) معارج القبول للشيخ حافظ حكمي رحمه الله 1/383 .
(19) متفق عليه .
(20) متفق عليه .
(21) أخرجهما الشيخان .
(22) أخرجهما الشيخان .
(( مجلة البيان ـ العدد [10] صــ 34 جمادى الآخرة 1408 ـ فبراير 1988 ))
شروط لا إله إلا الله قولا وفعلا
عثمان جمعة ضميرية
إن كلمة التوحيد ، التي سبق الحديث عن معناها ، جعلها الله تعالى عنوان
الدخول في الإسلام ، وثمن الجنة ومفتاحها ، كما جعلها سبب النجاة من النار ومغفرة
الذنوب .
وتواردت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه المعاني : فمنها : ما
جعل الإتيان بالشهادتين سببًا لدخول الجنة ، وعدم احتجاب قائلها عنها ، فإن النار لا
يخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص ، وقد يدخل الجنة ولا يحجب عنها إذا طهر
من ذنوبه بالنار :
فعن عبادة بن الصامت ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يقول : » من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وأن
عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، وأن الجنة حق
والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل « [1] ، وفي رواية : » أدخله
الله الجنة من أي أبواب الجنة الثمانية شاء « .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول-صلى الله عليه وسلم- قال :
»يا أبا هريرة اذهب بنعلي هاتين -وأعطاه نعليه - فمن لقيت من وراء هذا الحائط
يشهد أن لا إله إلا الله ، مستيقنًا بها قلبه ، فبشره بالجنة « [2] .
وعنه أيضاً ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : » أشهد أن لا إله إلا
الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله عبد غير شاك ، فيحجب عن الجنة « [3] ، وفي
رواية له أيضاً : » إلا دخل الجنة « .
وعن عثمان ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
» من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة « [4] .
وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قال : » ما من عبد قال لا إله إلا الله ، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة «
قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : » وإن زنى وإن سرق ثلاثاً « ثم قال في
الرابعة : » على رغم أنف أبي ذر « قال : فخرج أبو ذر وهو يقول : وإن رَغِمَ
أنف أبي ذر [5] .
ومعنى هذا الحديث : أن الزنى والسرقة لا يمنعان دخول الجنة مع التوحيد ،
وهذا حق لا مرية فيه ، وليس فيه أنه لا يعذب عليهما مع التوحيد [6] ، ففي مسند
البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا : » لا إله إلا الله نفعته يومًا من
دهره ، يصيبه قبل ذلك ما أصابه « [7] .
ومن الأحاديث النبوية ما جاء بيانًا لتحريم دخول النار على من أتى
بالشهادتين ، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام في حديث معاذ رضي الله عنه : » ما
من عبد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه
الله على النار « [8] .
وفي حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قال : » إن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله ، يبتغي بذلك وجه
الله « [9] إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية الشريفة [10] .
وقد يصاب بعض الناس بالغفلة عن حقيقة التوحيد وشرط النجاة ، ويغتر
بكلمة يديرها على لسانه ، دون أن يفقه معناها ، يظنها مفتاحًا للجنة ، بمجرد نطقها
باللسان ، غافلاً عن شروطها التي ينبغي أن تتحقق ، ومقتضياتها التي ينبغي أن
يعمل بها ، لتكون مفتاحًا صالحًا لفتح أبواب الجنة الثمانية .
وشهادة التوحيد هذه ، سبب لدخول الجنة ، والنجاة من النار ، ومقتضى لذلك ،
ولكن المقتضى لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه ، فقد يختلف
عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه ، أو لوجود مانع من الموانع ، وهذا قول
الحسن البصري ووهب بن منبه ، رحمهما الله .
فقد قيل للحسن البصري رحمه الله ؛ إن أناسًا يقولون : من قال : لا إله إلا
الله دخل الجنة ؟ فقال : من قال لا إله إلا الله ، فأدى حقها وفرضها دخل الجنة .
وقال للفرزدق وهو يدفن امرأته : ما أعددت لهذا اليوم ؟ قال : شهادة أن لا
إله إلا الله ، منذ سبعين سنة ، فقال الحسن : نعم العدة ، لكن لـ " لا إله إلا الله "
شروطاً ، فإياك وقذف المحصنة !
وقيل لوهب بن منبه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، ولكن ما
من مفتاح إلا له أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك [11] .
ويدل على صحة هذا القول : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رتب دخول
الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص : فعن أبي أيوب الأنصاري
رضي الله عنه ، أن رجلاً قال : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة . فقال :
»تعبد الله لا تشرك به شيئًا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم«[12].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رجلاً قال : يا رسول الله دلني على
عمل إذا عملته دخلت الجنة . قال : » تعبد الله لا تشرك به شيئًا ، وتقيم الصلاة
المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان « فقال الرجل : والذي نفسي
بيده ، لا أزيد على هذا شيئاً ، ولا أنقص منه . فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
» من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا « [13] .
وقد تواردت مع ذلك آيات وأحاديث تبين توقف دخول الجنة والنجاة من النار
على من فعل الفرائض واجتنب المحارم ، فصارت تلك الأحاديث السابقة مفسرة
مبينة ، وينبغي أن يؤخذ بالبيان والمبين معًا ، ولا يجوز إعمال بعض النصوص
والأدلة وإهمال سائرها [14] .
ومن القواعد المقررة : أن المطلق يحمل على المقيد ، فإذا جاءت نصوص
مطلقة ، وجاءت نصوص أخرى متحدة معها في الحكم والسبب ، فإنه يحمل النص
المطلق على المقيد . والأحاديث التي جاءت تبين أن دخول الجنة وتحريم النار
معلق على شهادة ( أن لا إله إلا الله ) ، وهذه الأحاديث المطلقة جاءت أحاديث
أخرى تقيدها . ففي بعضها :
من قال: » لا إله إلا الله مخلصًا ... « ، وفي بعضها: » مستيقناً بها قلبه ..«
وفي بعضها: » صدق لسانه .. « ، وفي بعضها: » يقولها حقا من قلبه ..«.. الخ .
وكذلك علقت الأحاديث دخول الجنة على: ( العلم بمعنى لا إله إلا الله)
ونصوص أخرى تبين الثبات على هذه الكلمة ، ونصوص أخرى تدل على
وجوب الخضوع لمدلولها .. إلخ .
ومما سبق كله استنبط العلماء رحمهم الله تعالى شروطًا لابد من توافرها ، مع
انتفاء الموانع ، حتى تكون كلمة " لا إله إلا الله " مفتاحًا للجنة ، وهذه الشروط هي
أسنان المفتاح ، ولابد من أخذها مجتمعة ، فإن شرطًا منها لا يغني عن سائر
الشروط .
ولعل هذه الشروط تكون واضحة من الإشارات التي سنشير إليها في هذه
العجالة ، فاحرص عليها - أيها المسلم - وتحقق بها ، لئلا تقف أمام باب الجنة
فترد ، لأنه لا يفتح لك !
1- إن لكل شيء حقيقة ، ولكل كلمة معنى ، فينبغي أولاً : أن تعلم معنى
كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) علمًا منافيًا للجهل بها ، في النفي والإثبات، فهي تنفي
الألوهية عن غير الله تعالى وتثبتها له سبحانه ، فلا معبود بحق إلا الله ، وقد سبق
ذلك وافيا في بيان ( مفتاح الجنة ) سابقًا .
ومن الأدلة على هذا الشرط : قول الله تعالى : ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ
واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [ [سورة محمد : 19] .
] شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ والْمَلائِكَةُ وأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ [ [ آل
عمران/18] ] إلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ [ [ الزخرف : 86 ] .
وأخرج مسلم عن عثمان رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- : » من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة « . ويكتمل هذا
الشرط بما يليه ، وهو الشرط الثاني .
2- اليقين المنافي للشك : ومعنى ذلك أن تستيقن يقينًا جازمًا بمدلول كلمة
التوحيد ، لأنها لا تقبل شكًا ، ولا ظنًا ، ولا ترددًا ولا ارتيابًا ، بل ينبغي أن تقوم
على اليقين القاطع الجازم . فقد قال الله تعالى في وصف المؤمنين الصادقين :
] إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ [الحجرات : 15 ] .
فلا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين ، بل لابد من استيقان القلب ، والبعد عن
الشد ، فإن لم يحصل هذا اليقين فهو النفاق ، والمنافقون هم الذين ارتابت قلوبهم ،
قال الله تعالى : ] إنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ
فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ [ [التوبة : 45] .
وقد سبق آنفًا حديثان في ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وفيهما :
»أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد ، غير شاك فيهما إلا
دخل الجنة « وفي رواية » فيحجب عن الجنة « . » ومن لقيت وراء هذا
الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه .. « .
3- وإذا علمت ، وتيقنت ، فينبغي أن يكون لهذا العلم اليقيني أثره ، فيتحقق
الشرط الثالث وهو : القبول لما اقتضته هذه الكلمة ، بالقلب واللسان : فمن رد دعوة
التوحيد ولم يقبلها كان كافرًا ، سواء كان ذلك الرد بسبب الكبر أو العناد أو الحسد ،
وقد قال الله سبحانه وتعالى عن الكفار الذين ردوها استكبارًا ] إنَّهُمْ كَانُوا إذَا قِيلَ لَهُمْ
لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * ويَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ؟ [
[الصافات : 35 - 36] .
أما المؤمنون الذين قبلوا هذه الكلمة وعملوا بمقتضاها فلهم النجاة عند الله
تعالى ، وعدًا منه ، لا يخلف الله وعده : ] ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقاًّ
عَلَيْنَا نُنْجِ المُؤْمِنِينَ [ [يونس : 103] .
وهم أصحاب المثل الطيب ، الذين ينتفعون بما جاء به الرسول عليه الصلاة
والسلام من الهدى والعلم . فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، عن-صلى
الله عليه وسلم- قال : » مثل ما بعثني به الله من الهدى والعلم ، كمثل الغيث الكثير
أصاب أرضًا ، فكان منها نقية قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت
منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس ، فشربوا وسقوا وزرعوا . وأصاب
منها طائفة أخرى ، إنما هي قيعان ، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً . فذلك مثل من فقه
في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم
يقبل هدى الله الذي أرسلت به « [15] .
4- أما الشرط الرابع : الانقياد للتوحيد الذي دلت عليه هذه الكلمة العظيمة ،
انقيادًا تامًا ، وهذا الانقياد والخضوع هو المحك الحقيقي للإيمان وهو المظهر العملي
له .
ويتحقق هذا ويحصل بالعمل بما شرعه الله تعالى ، وبترك ما نهى عنه ،
وذلك هو الإسلام حقيقة ، إذ هو : أن يسلم العبد ويستسلم بقلبه وجوارحه لله تعالى ،
وينقاد له بالتوحيد والطاعة ، كما قال سبحانه : ] ومَن يُسْلِمْ وجْهَهُ إلَى اللَّهِ وهُوَ
مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى [ [لقمان : 22] .
وأقسم سبحانه وتعالى بنفسه أنه لا يؤمن المرء حتى ينقاد لحكم الله وحكم
رسوله : ] فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ [النساء : 65] . وحتى ميول الإنسان
وما يهواه ، ينبغي أن يكون من وراء ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-
وتابعًا له : » لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به « [16] ، وهذا هو
تمام الانقياد وغايته .
5- الشرط الخامس : الصدق في قول كلمة التوحيد ، صدقاً منافيًا للكذب
والنفاق ، حيث يجب أن يواطئ قلبه لسانه ويوافقه ، فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم،
ولكن لم يطابق هذا القول ما في قلوبهم ، فصار قولهم كذبًا ونفاقًا مخالفًا للإيمان ،
ونزلوا في الدرك الأسفل من النار : ] يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [
[الفتح :11] ] وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم
بِمُؤْمِنِينَ [8] يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [9]
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [
[البقرة : 8-10] ..
في آيات كثيرة وسور بمجملها في القرآن الكريم تتحدث عنهم .
وفي الصحيحين : » ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله .. صدقًا من قلبه إلا
حرمه الله على النار « فاشترط الصدق من القلب ، كما اشترطه في قوله لضمام بن
ثعلبة : » إن صدق ليدخلن الجنة « [17] .
6- المحبة ، وهي الشرط السادس فحب المؤمن هذه الكلمة ، ويحب العمل
بمقتضاها ويحب أهلها العاملين بها ، وإلا لم يتحقق الإيمان ولم تكتب له النجاة ،
ومن أحب شيئًا من دون الله فقد جعله لله ندًا : ] ومِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ
أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباً لِّلَّهِ [ [البقرة : 165] .
وعلاقة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه ، وموالاة من والى الله
ورسوله ، ومعاداة من عاداه واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- واقتفاء أثره
وقبول هداه ، وهذه كلها شروط في المحبة لا تتحقق إلا بها [18] ، وهى مؤشر
على حب الله للعبد بعد ذلك .
ومتى استقرت هذه الكلمة في النفس والقلب ، فإنه لا يعدلها شيء ، ولا يفضل
عليها ، فإن حبها يملأ القلب فلا يتسع لغيرها ، وعندئذ يجد حلاوة الإيمان :
»ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما
سواه ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن
يقذف في النار « [19] .
وحتى لو تحققت تلك الشروط السابقة كلها ، ولكنها فقدت الروح فيها وفقدت
سبب القبول عند الله ، فإنها لا تنفع صاحبها ما لم يحقق سبب ذلك القبول ، وهو
الشرط السابع .
7- الإخلاص ، و معناه : صدق التوجه إلى الله تعالى وتصفية العمل بصالح
النية ، من كل شائبة من شوائب الشرك وألوانه .
وقد تواردت الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة ، تؤكد هذا
الشرط ، وتجعله سببًا لقبول الأعمال عند الله تعالى . قال الله سبحانه وتعالى :
]ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ
وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ [ [البينة : 5] ] فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ [ [الزمر : 2] .
وفي حديث عتبان بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-» إن الله حرم
على النار من قال : لا إله إلا الله ، يبتغي بذلك وجه الله عز وجل [20] .
والآيات والأحاديث في الإخلاص كثيرة جدًا، فهو سبب القبول عند الله عز
وجل ، فلا يقبل الله تعالى من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه وموافقًا لشرعه.
8-ومع هذه الشروط مجتمعة ، لابد من الإقامة على هذه الكلمة ، ليختم للعبد
بها ختامًا حسنًا ، فإنما الأعمال بالخواتيم ، ففي حديث مسلم عن أبي هريرة رضي
الله عنه ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : » إن الرجل ليعمل الزمان
الطويل بعمل أهل الجنة ، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار ، وإن الرجل ليعمل
الزمان الطويل بعمل أهل النار ، ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة «
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، عند الشيخين » .. فوالذي لا إله
غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق
عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها « .
وقد أمر الله تعالى بالإقامة على الإسلام والتوحيد : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [ [ آل عمران : 102] .
وقد جاءت الأحاديث الشريفة تبين هذا المعنى : عن عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- » من مات يشرك بالله شيئًا
دخل النار « وقلت أنا : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة « [21] .
وفي حديث أبي ذر: » ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا
دخل الجنة « [22] .
فاحرص أيها المسلم على كلمة التوحيد بشروطها تلك ، واحذر من كل ما
ينافيها ، فإن ما ينافيها ويوقع في الشرك قد يكون أخفى من دبيب النمل .
قال ابن القيم رحمه الله ، في قصيدته النونية ، مشيرًا إلى أسنان هذا المفتاح
الذي تفتح به أبواب الجنة ، وهي العمل بشرائع الإسلام ، وتحقيق تلك الشروط
السابقة ، فقال :
هذا ، وفتحُ الباب ليس بممكن إلا بمفتاح على أسنان
مفتاحه بشهادة الإخلاص والتو حيد ، تلك شهادة الإيمان
أسنانه الأعمال ، وهو شرائع الـ إسلام ، والمفتاح بالأسنان
لا تلغين هذا المثال فكم به من حل إشكال لذي العرفان
________________________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء ، ومسلم في كتاب الإيمان .
(2) أخرجه مسلم في الإيمان .
(3) المرجع السابق .
(4) المرجع السابق .
(5) أخرجه البخاري في كتاب اللباس ، ومسلم في الإيمان .
(6) كلمة الإخلاص وتحقيق معناها ، لابن رجب ص 12 .
(7) قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح ، مجمع الزوائد 1/17 .
(8) أخرجه البخاري في العلم ، ومسلم في الإيمان .
(9) قطعة من حديث أخرجه البخاري في الصلاة ، ومسلم في المساجد .
(10) انظر : تهذيب مدارج السالكين لابن القيم : ص 187 .
(11) أخرجه البخاري تعليقًا في الجنائز .
(12) أخرجه البخاري في الأدب ، ومسلم في الإيمان .
(13) أخرجه البخاري في الزكاة ، ومسلم في الإيمان .
(14) انظر : كلمة الإخلاص وتحقيق معناها لابن رجب الحنبلي ص 31- 22 فهذه المعاني مأخوذة
منه .
(15) أخرجه البخاري ، كتاب العلم ، ومسلم ، كتاب الفضائل .
(16) قال النووي في الأربعين النووية : حديث حسن صحيح ، جامع العلوم والحكم ، ص 364 -365
.
(17) أخرجه البخاري في الزكاة ، ومسلم في الإيمان .
(18) معارج القبول للشيخ حافظ حكمي رحمه الله 1/383 .
(19) متفق عليه .
(20) متفق عليه .
(21) أخرجهما الشيخان .
(22) أخرجهما الشيخان .
(( مجلة البيان ـ العدد [10] صــ 34 جمادى الآخرة 1408 ـ فبراير 1988 ))
4
عثمان جمعة ضميرية
إن كلمة التوحيد ، التي سبق الحديث عن معناها ، جعلها الله تعالى عنوان
الدخول في الإسلام ، وثمن الجنة ومفتاحها ، كما جعلها سبب النجاة من النار ومغفرة
الذنوب .
وتواردت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه المعاني : فمنها : ما
جعل الإتيان بالشهادتين سببًا لدخول الجنة ، وعدم احتجاب قائلها عنها ، فإن النار لا
يخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص ، وقد يدخل الجنة ولا يحجب عنها إذا طهر
من ذنوبه بالنار :
فعن عبادة بن الصامت ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يقول : » من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وأن
عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، وأن الجنة حق
والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل « [1] ، وفي رواية : » أدخله
الله الجنة من أي أبواب الجنة الثمانية شاء « .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول-صلى الله عليه وسلم- قال :
»يا أبا هريرة اذهب بنعلي هاتين -وأعطاه نعليه - فمن لقيت من وراء هذا الحائط
يشهد أن لا إله إلا الله ، مستيقنًا بها قلبه ، فبشره بالجنة « [2] .
وعنه أيضاً ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : » أشهد أن لا إله إلا
الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله عبد غير شاك ، فيحجب عن الجنة « [3] ، وفي
رواية له أيضاً : » إلا دخل الجنة « .
وعن عثمان ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
» من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة « [4] .
وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قال : » ما من عبد قال لا إله إلا الله ، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة «
قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : » وإن زنى وإن سرق ثلاثاً « ثم قال في
الرابعة : » على رغم أنف أبي ذر « قال : فخرج أبو ذر وهو يقول : وإن رَغِمَ
أنف أبي ذر [5] .
ومعنى هذا الحديث : أن الزنى والسرقة لا يمنعان دخول الجنة مع التوحيد ،
وهذا حق لا مرية فيه ، وليس فيه أنه لا يعذب عليهما مع التوحيد [6] ، ففي مسند
البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا : » لا إله إلا الله نفعته يومًا من
دهره ، يصيبه قبل ذلك ما أصابه « [7] .
ومن الأحاديث النبوية ما جاء بيانًا لتحريم دخول النار على من أتى
بالشهادتين ، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام في حديث معاذ رضي الله عنه : » ما
من عبد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه
الله على النار « [8] .
وفي حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قال : » إن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله ، يبتغي بذلك وجه
الله « [9] إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية الشريفة [10] .
وقد يصاب بعض الناس بالغفلة عن حقيقة التوحيد وشرط النجاة ، ويغتر
بكلمة يديرها على لسانه ، دون أن يفقه معناها ، يظنها مفتاحًا للجنة ، بمجرد نطقها
باللسان ، غافلاً عن شروطها التي ينبغي أن تتحقق ، ومقتضياتها التي ينبغي أن
يعمل بها ، لتكون مفتاحًا صالحًا لفتح أبواب الجنة الثمانية .
وشهادة التوحيد هذه ، سبب لدخول الجنة ، والنجاة من النار ، ومقتضى لذلك ،
ولكن المقتضى لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه ، فقد يختلف
عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه ، أو لوجود مانع من الموانع ، وهذا قول
الحسن البصري ووهب بن منبه ، رحمهما الله .
فقد قيل للحسن البصري رحمه الله ؛ إن أناسًا يقولون : من قال : لا إله إلا
الله دخل الجنة ؟ فقال : من قال لا إله إلا الله ، فأدى حقها وفرضها دخل الجنة .
وقال للفرزدق وهو يدفن امرأته : ما أعددت لهذا اليوم ؟ قال : شهادة أن لا
إله إلا الله ، منذ سبعين سنة ، فقال الحسن : نعم العدة ، لكن لـ " لا إله إلا الله "
شروطاً ، فإياك وقذف المحصنة !
وقيل لوهب بن منبه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، ولكن ما
من مفتاح إلا له أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك [11] .
ويدل على صحة هذا القول : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رتب دخول
الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص : فعن أبي أيوب الأنصاري
رضي الله عنه ، أن رجلاً قال : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة . فقال :
»تعبد الله لا تشرك به شيئًا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم«[12].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رجلاً قال : يا رسول الله دلني على
عمل إذا عملته دخلت الجنة . قال : » تعبد الله لا تشرك به شيئًا ، وتقيم الصلاة
المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان « فقال الرجل : والذي نفسي
بيده ، لا أزيد على هذا شيئاً ، ولا أنقص منه . فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
» من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا « [13] .
وقد تواردت مع ذلك آيات وأحاديث تبين توقف دخول الجنة والنجاة من النار
على من فعل الفرائض واجتنب المحارم ، فصارت تلك الأحاديث السابقة مفسرة
مبينة ، وينبغي أن يؤخذ بالبيان والمبين معًا ، ولا يجوز إعمال بعض النصوص
والأدلة وإهمال سائرها [14] .
ومن القواعد المقررة : أن المطلق يحمل على المقيد ، فإذا جاءت نصوص
مطلقة ، وجاءت نصوص أخرى متحدة معها في الحكم والسبب ، فإنه يحمل النص
المطلق على المقيد . والأحاديث التي جاءت تبين أن دخول الجنة وتحريم النار
معلق على شهادة ( أن لا إله إلا الله ) ، وهذه الأحاديث المطلقة جاءت أحاديث
أخرى تقيدها . ففي بعضها :
من قال: » لا إله إلا الله مخلصًا ... « ، وفي بعضها: » مستيقناً بها قلبه ..«
وفي بعضها: » صدق لسانه .. « ، وفي بعضها: » يقولها حقا من قلبه ..«.. الخ .
وكذلك علقت الأحاديث دخول الجنة على: ( العلم بمعنى لا إله إلا الله)
ونصوص أخرى تبين الثبات على هذه الكلمة ، ونصوص أخرى تدل على
وجوب الخضوع لمدلولها .. إلخ .
ومما سبق كله استنبط العلماء رحمهم الله تعالى شروطًا لابد من توافرها ، مع
انتفاء الموانع ، حتى تكون كلمة " لا إله إلا الله " مفتاحًا للجنة ، وهذه الشروط هي
أسنان المفتاح ، ولابد من أخذها مجتمعة ، فإن شرطًا منها لا يغني عن سائر
الشروط .
ولعل هذه الشروط تكون واضحة من الإشارات التي سنشير إليها في هذه
العجالة ، فاحرص عليها - أيها المسلم - وتحقق بها ، لئلا تقف أمام باب الجنة
فترد ، لأنه لا يفتح لك !
1- إن لكل شيء حقيقة ، ولكل كلمة معنى ، فينبغي أولاً : أن تعلم معنى
كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) علمًا منافيًا للجهل بها ، في النفي والإثبات، فهي تنفي
الألوهية عن غير الله تعالى وتثبتها له سبحانه ، فلا معبود بحق إلا الله ، وقد سبق
ذلك وافيا في بيان ( مفتاح الجنة ) سابقًا .
ومن الأدلة على هذا الشرط : قول الله تعالى : ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ
واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [ [سورة محمد : 19] .
] شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ والْمَلائِكَةُ وأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ [ [ آل
عمران/18] ] إلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ [ [ الزخرف : 86 ] .
وأخرج مسلم عن عثمان رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- : » من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة « . ويكتمل هذا
الشرط بما يليه ، وهو الشرط الثاني .
2- اليقين المنافي للشك : ومعنى ذلك أن تستيقن يقينًا جازمًا بمدلول كلمة
التوحيد ، لأنها لا تقبل شكًا ، ولا ظنًا ، ولا ترددًا ولا ارتيابًا ، بل ينبغي أن تقوم
على اليقين القاطع الجازم . فقد قال الله تعالى في وصف المؤمنين الصادقين :
] إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ [الحجرات : 15 ] .
فلا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين ، بل لابد من استيقان القلب ، والبعد عن
الشد ، فإن لم يحصل هذا اليقين فهو النفاق ، والمنافقون هم الذين ارتابت قلوبهم ،
قال الله تعالى : ] إنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ
فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ [ [التوبة : 45] .
وقد سبق آنفًا حديثان في ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وفيهما :
»أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد ، غير شاك فيهما إلا
دخل الجنة « وفي رواية » فيحجب عن الجنة « . » ومن لقيت وراء هذا
الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه .. « .
3- وإذا علمت ، وتيقنت ، فينبغي أن يكون لهذا العلم اليقيني أثره ، فيتحقق
الشرط الثالث وهو : القبول لما اقتضته هذه الكلمة ، بالقلب واللسان : فمن رد دعوة
التوحيد ولم يقبلها كان كافرًا ، سواء كان ذلك الرد بسبب الكبر أو العناد أو الحسد ،
وقد قال الله سبحانه وتعالى عن الكفار الذين ردوها استكبارًا ] إنَّهُمْ كَانُوا إذَا قِيلَ لَهُمْ
لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * ويَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ؟ [
[الصافات : 35 - 36] .
أما المؤمنون الذين قبلوا هذه الكلمة وعملوا بمقتضاها فلهم النجاة عند الله
تعالى ، وعدًا منه ، لا يخلف الله وعده : ] ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقاًّ
عَلَيْنَا نُنْجِ المُؤْمِنِينَ [ [يونس : 103] .
وهم أصحاب المثل الطيب ، الذين ينتفعون بما جاء به الرسول عليه الصلاة
والسلام من الهدى والعلم . فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، عن-صلى
الله عليه وسلم- قال : » مثل ما بعثني به الله من الهدى والعلم ، كمثل الغيث الكثير
أصاب أرضًا ، فكان منها نقية قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت
منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس ، فشربوا وسقوا وزرعوا . وأصاب
منها طائفة أخرى ، إنما هي قيعان ، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً . فذلك مثل من فقه
في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم
يقبل هدى الله الذي أرسلت به « [15] .
4- أما الشرط الرابع : الانقياد للتوحيد الذي دلت عليه هذه الكلمة العظيمة ،
انقيادًا تامًا ، وهذا الانقياد والخضوع هو المحك الحقيقي للإيمان وهو المظهر العملي
له .
ويتحقق هذا ويحصل بالعمل بما شرعه الله تعالى ، وبترك ما نهى عنه ،
وذلك هو الإسلام حقيقة ، إذ هو : أن يسلم العبد ويستسلم بقلبه وجوارحه لله تعالى ،
وينقاد له بالتوحيد والطاعة ، كما قال سبحانه : ] ومَن يُسْلِمْ وجْهَهُ إلَى اللَّهِ وهُوَ
مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى [ [لقمان : 22] .
وأقسم سبحانه وتعالى بنفسه أنه لا يؤمن المرء حتى ينقاد لحكم الله وحكم
رسوله : ] فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ [النساء : 65] . وحتى ميول الإنسان
وما يهواه ، ينبغي أن يكون من وراء ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-
وتابعًا له : » لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به « [16] ، وهذا هو
تمام الانقياد وغايته .
5- الشرط الخامس : الصدق في قول كلمة التوحيد ، صدقاً منافيًا للكذب
والنفاق ، حيث يجب أن يواطئ قلبه لسانه ويوافقه ، فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم،
ولكن لم يطابق هذا القول ما في قلوبهم ، فصار قولهم كذبًا ونفاقًا مخالفًا للإيمان ،
ونزلوا في الدرك الأسفل من النار : ] يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [
[الفتح :11] ] وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم
بِمُؤْمِنِينَ [8] يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [9]
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [
[البقرة : 8-10] ..
في آيات كثيرة وسور بمجملها في القرآن الكريم تتحدث عنهم .
وفي الصحيحين : » ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله .. صدقًا من قلبه إلا
حرمه الله على النار « فاشترط الصدق من القلب ، كما اشترطه في قوله لضمام بن
ثعلبة : » إن صدق ليدخلن الجنة « [17] .
6- المحبة ، وهي الشرط السادس فحب المؤمن هذه الكلمة ، ويحب العمل
بمقتضاها ويحب أهلها العاملين بها ، وإلا لم يتحقق الإيمان ولم تكتب له النجاة ،
ومن أحب شيئًا من دون الله فقد جعله لله ندًا : ] ومِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ
أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباً لِّلَّهِ [ [البقرة : 165] .
وعلاقة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه ، وموالاة من والى الله
ورسوله ، ومعاداة من عاداه واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- واقتفاء أثره
وقبول هداه ، وهذه كلها شروط في المحبة لا تتحقق إلا بها [18] ، وهى مؤشر
على حب الله للعبد بعد ذلك .
ومتى استقرت هذه الكلمة في النفس والقلب ، فإنه لا يعدلها شيء ، ولا يفضل
عليها ، فإن حبها يملأ القلب فلا يتسع لغيرها ، وعندئذ يجد حلاوة الإيمان :
»ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما
سواه ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن
يقذف في النار « [19] .
وحتى لو تحققت تلك الشروط السابقة كلها ، ولكنها فقدت الروح فيها وفقدت
سبب القبول عند الله ، فإنها لا تنفع صاحبها ما لم يحقق سبب ذلك القبول ، وهو
الشرط السابع .
7- الإخلاص ، و معناه : صدق التوجه إلى الله تعالى وتصفية العمل بصالح
النية ، من كل شائبة من شوائب الشرك وألوانه .
وقد تواردت الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة ، تؤكد هذا
الشرط ، وتجعله سببًا لقبول الأعمال عند الله تعالى . قال الله سبحانه وتعالى :
]ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ
وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ [ [البينة : 5] ] فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ [ [الزمر : 2] .
وفي حديث عتبان بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-» إن الله حرم
على النار من قال : لا إله إلا الله ، يبتغي بذلك وجه الله عز وجل [20] .
والآيات والأحاديث في الإخلاص كثيرة جدًا، فهو سبب القبول عند الله عز
وجل ، فلا يقبل الله تعالى من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه وموافقًا لشرعه.
8-ومع هذه الشروط مجتمعة ، لابد من الإقامة على هذه الكلمة ، ليختم للعبد
بها ختامًا حسنًا ، فإنما الأعمال بالخواتيم ، ففي حديث مسلم عن أبي هريرة رضي
الله عنه ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : » إن الرجل ليعمل الزمان
الطويل بعمل أهل الجنة ، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار ، وإن الرجل ليعمل
الزمان الطويل بعمل أهل النار ، ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة «
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، عند الشيخين » .. فوالذي لا إله
غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق
عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها « .
وقد أمر الله تعالى بالإقامة على الإسلام والتوحيد : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [ [ آل عمران : 102] .
وقد جاءت الأحاديث الشريفة تبين هذا المعنى : عن عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- » من مات يشرك بالله شيئًا
دخل النار « وقلت أنا : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة « [21] .
وفي حديث أبي ذر: » ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا
دخل الجنة « [22] .
فاحرص أيها المسلم على كلمة التوحيد بشروطها تلك ، واحذر من كل ما
ينافيها ، فإن ما ينافيها ويوقع في الشرك قد يكون أخفى من دبيب النمل .
قال ابن القيم رحمه الله ، في قصيدته النونية ، مشيرًا إلى أسنان هذا المفتاح
الذي تفتح به أبواب الجنة ، وهي العمل بشرائع الإسلام ، وتحقيق تلك الشروط
السابقة ، فقال :
هذا ، وفتحُ الباب ليس بممكن إلا بمفتاح على أسنان
مفتاحه بشهادة الإخلاص والتو حيد ، تلك شهادة الإيمان
أسنانه الأعمال ، وهو شرائع الـ إسلام ، والمفتاح بالأسنان
لا تلغين هذا المثال فكم به من حل إشكال لذي العرفان
________________________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء ، ومسلم في كتاب الإيمان .
(2) أخرجه مسلم في الإيمان .
(3) المرجع السابق .
(4) المرجع السابق .
(5) أخرجه البخاري في كتاب اللباس ، ومسلم في الإيمان .
(6) كلمة الإخلاص وتحقيق معناها ، لابن رجب ص 12 .
(7) قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح ، مجمع الزوائد 1/17 .
(8) أخرجه البخاري في العلم ، ومسلم في الإيمان .
(9) قطعة من حديث أخرجه البخاري في الصلاة ، ومسلم في المساجد .
(10) انظر : تهذيب مدارج السالكين لابن القيم : ص 187 .
(11) أخرجه البخاري تعليقًا في الجنائز .
(12) أخرجه البخاري في الأدب ، ومسلم في الإيمان .
(13) أخرجه البخاري في الزكاة ، ومسلم في الإيمان .
(14) انظر : كلمة الإخلاص وتحقيق معناها لابن رجب الحنبلي ص 31- 22 فهذه المعاني مأخوذة
منه .
(15) أخرجه البخاري ، كتاب العلم ، ومسلم ، كتاب الفضائل .
(16) قال النووي في الأربعين النووية : حديث حسن صحيح ، جامع العلوم والحكم ، ص 364 -365
.
(17) أخرجه البخاري في الزكاة ، ومسلم في الإيمان .
(18) معارج القبول للشيخ حافظ حكمي رحمه الله 1/383 .
(19) متفق عليه .
(20) متفق عليه .
(21) أخرجهما الشيخان .
(22) أخرجهما الشيخان .
(( مجلة البيان ـ العدد [10] صــ 34 جمادى الآخرة 1408 ـ فبراير 1988 ))
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق